هاتفني وكتب لي العديد من المهتمين وحتى الخبراء في شأن تطوير المناهج للإطلاع على المناهج الجديدة التي أعدّها المركز الوطني لتطوير المناهج للصفين الأول والرابع في الرياضيات والعلوم بموجب إتفاقية مع شركة كولينز البريطانية لغايات الكتابة بأمانة من وجهة نظري بذلك، وبادرت بطلب نسخ نهائية من الكتب مدار البحث وكذلك النُسخ القديمة وقراءة معظم ما كُتب عن الموضوع وإطلعت على ما أصدره المركز من توضيح في هذا الشأن، وتابعت حتى بعض اللقاءات التلفزيونية، حتى أستطيع أن أُلخّص بأمانة الجزئين الممتلىء –الذي دائماً أبدأ به أولاً لغايات الإيجابية والتفاؤل- والفارغ من الكأس والرأي والرأي الآخر وأُبدي وجهة نظري كأستاذ جامعي خبير بالعملية التعليمية والتّعلُمية ويؤمن بالإبداع والتفكير الناقد ولغة التحليل والإستنباط والمُقاربة الموضوعية وحل المشاكل والوقوف على التحديات وتحويلها لفرص والمواءمة بين النظرية والتطبيق وغيرها من مهارات العصر في زمن الألفية الثالثة:
1. المناهج الجديدة تواكب إستراتيجيات وفلسفة وسياسة التعليم والتعلّم العصرية من حيث البناء على مهارات الألفية الثالثة لترسيخ لغة التفكير الناقد والتواصل وحل المشاكل وربط العملية التعليمية بالبيئة والمحيط الخارجي، ففيها تكاملية لمفاهيم التعليم من حيث القراءة والإطلاع والملاحظة والتفسير والتحليل والوصف والرسم والتخيّل والإستنتاج والتقييم والتغذية الراجعة والبحث وتطبيق المعرفة وإبداء الرأي والحوار وتقويم الأقران والعمل الجماعي والتعلّم بالعمل والمُشاركة وحل المشاكل والإبتكار والتصميم للتجارب والتفكير الناقد والإبداعي وغيرها.
2. المناهج الجديدة تتميّز بقدرتها على الربط بين المفاهيم العلمية من جهة والحياة العملية والواقع والبيئة المحيطة من جهة أخرى، وبذلك تكون أقدر على إيصال رسالة عنوانها رؤى جديدة في حل المشاكل للطلبة وبناء شخصياتهم الطالبية التي نفتقدها عند بعضهم في هذه الأيام كنتيجة لأساليب الصمّ والتلقين والمناهج التي لا تُثير التفكير لديهم لإظهار شخصياتهم الحقيقية من خلال التعبير عن رأيهم.
3. المناهج الجديدة قادرة على خلق التنافسية والتمايز لدى الطلبة من خلال الحساب الذهني والتمارين الفكرية التي تراعي الفروق الفردية وكذلك المهارات الأساسية في الرياضيات، كما أنها تراكمية ومتدرّجة ومُبسّطة من حيث البناء على المعارف السابقة.
4. المناهج الجديدة تحوي إضافة نوعية عصرية للإثراء اللغوي لغايات تحسين مفردات الطلبة باللغة الإنجليزية للمفاهيم والمصطلحات الرئيسة والنتاجات التعليمية المتوقّعة، مما سيؤهلهم للحياة العامة والصفوف العليا، كما تحوي كتاباً للتمارين والتطبيق العملي ترسيخاً للغة الفهم والإستيعاب ولأول مرّة سيستخدمه الطلبة للكتابة والحل والتدرّب والرسم درءاً للصم والتلقين والحفظ الذي نعاني منه كثيراً.
5. المناهج الجديدة تشكّل مصدراً ومرجعاً متكاملاً للطلبة وأهليهم ومعلميهم على السواء، في ظل ثورة التعليم من خلال الإنترنت والتواصل الإجتماعي والفضائيات التي باتت بين يدي الصغير قبل الكبير، فالشرح وافٍ وعميق والعرض للمفاهيم مُسهبٌ ودقيق.
6. المناهج الجديدة تشجّع الطلبة على النقاش والحوار كلغة عصر صوب البحث والإستقصاء والإستنتاج والإبداع والإستكشاف والتخيّل والإجابات المفتوحة التي توسّع مدارك الطلبة دونما صمّ أو إستذكار بالحفظ.
7. الرأي الآخر حول المناهج الجديدة بالمقابل يرى أن هنالك بالمُجمل ضعفاً لغوياً في ترجمة الكتب من الإنجليزية للعربية وبعض الجُمل يحتاج لإعادة صياغة وترجمة بالرغم من مسألة المُلكية الفكرية، كما في إستخدام بيئة أو بيئات في بعض الأحيان وغيرها، وحتى ينتقدون وضع الطائر الوردي على الغلاف بالرغم من أنه والسوسنة السوداء رمزان للطائر الأردني والزهرة الأردنية، وربما هنالك بعض الطروحات التي لم يتسنّى لي الإطلاع عليها، وبالرغم أيضاً من معرفتهم أنها نُسخ تجريبية وليست نهائية.
8. الرأي الآخر حول المناهج الجديدة ينتقد أيضاً فلسفة الإنتقال من الجزء إلى الكل أو فلسفة الإنتقال من الكل إلى الجزء كما في مسألتي البيئة المحيطة وأجزاء جسم الإنسان في كتاب العلوم، وهذه بالطبع وجهات نظر يستطيع كل جهة إثباتها وأحقيتها على الأرض، وبعض الكُتّاب دخل في مسألة المراجعة للكتب وليس إعادة التأليف وضرورة تماشي الكتب مع الإطار العام للمناهج ووضع روح وطنية وإستراتيجية للعشر سنوات القادمة.
9. الرأي الآخر حول المناهج الجديدة يرى ضرورة الإستفادة من الخبرات والكفاءات التربوية الأردنية في كل مراحل التأليف وليس فقط في الصياغة والمراجعة والتدقيق، وربما نشاطرهم الرأي هنا لكننا أيضاً لا نريد إختراع العجلة من جديد! فما الضير من إستخدام مناهج نوعية مبنيّة على تراكمية الخبرات وإعادة تفصيلها لبيئة وطنية أردنية من خلال خبراء أردنيين تربويين؟ لتتواءم مع بيئتنا وهويتنا وحضارتنا وطلباتنا وأهدافنا التي نسعى لترسيخها من خلال إستراتيجيتنا التعليمية.
10. واضح أن المناهج الجديدة جزأها الممتلىء من الكأس كبير وعليها بعض المثالب البسيطة للجزء الفارغ، ولذلك فإننا نستطيع إكمال إمتلاء الكأس من خلال إقرار إطار وطني تكاملي عام للمناهج –والذي أخاله موجوداً- من خلال مجلس التربية والتعليم وإنشاء جمعيات لمنظمات مجتمع مدني ترعى دعم المناهج بإطاره المُحسّن دون إقصاء لأحد أو لرأي أحد وبمؤسسيّة كاملة، كي لا نُطبّق قصّة المثل "القصّة مو رُمّانة بل قلوب ملآنة"!
11. مطلوب العمل بجديّة من قبل الجميع لغايات دعم بناء مناهج تواكب لغة العصر والبناء على المناهج المتوفّرة حالياً وتصويبها، حتى لا نبدأ من المربع الأول وقصة إعادة إختراع العجلة من جديد، فالكل أبناء وطن شرفاء سواء مَنْ يعملون في المركز الوطني للمناهج أو منظمات المجتمع المدني أو التربويون القدامى وأصحاب الخبرة وغيرهم.
بصراحة: المناهج الجديدة لها سيل من الحسنات والرؤى التطويرية لبناء الشخصية الطالبية المدركة والمبدعة والمُستكشفة والمُحاورة والناقدة، وعليها بعض المثالب الطفيفة كأي شأن عام، وأفكار التطوير أو التغيير في كل المجالات تحتاج للغة الحوار والتوافقية والتكاملية للبناء عليها، ومطلوب هنا العمل بلغة التشاركية والتكاملية بين كل مكونات الجسم التربوي الوطني لإخراج زبدة المناهج من وضعها التجريبي إلى وضعها العملي في حيز الوجود، ولا مجال هنا لقبول لغة التشكيك والتشويه وإغتيال الشخصيات وغيرها من الممارسات السلبية، وخصوصاً أن الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية أوصت المضي قُدماً في تطوير المناهج وإصلاح التعليم، فالوطن الأشم والمؤسسات التربوية بحاجة لجهود الجميع.