الوقائع الإخبارية : يحيي الأردنيون غداً الجمعة، السابع من شباط، الذكرى
الحادية والعشرين ليوم الوفاء والبيعة، ذكرى الوفاء للمغفور له بإذن الله،
جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، والبيعة لجلالة الملك عبد الله
الثاني ابن الحسين، الذي تسلم سلطاته الدستورية في مثل هذا اليوم من العام
1999 ملكاً للمملكة الأردنية الهاشمية.
وفي يوم رحيل الملك الباني، الحسين بن طلال، يستذكر الأردنيون مسيرة حياة
حافلة بالعطاء والإنجاز على مدى سبعة وأربعين عاماً، عاشها الحسين إلى جانب
أبناء شعبه الوفي لبناء الأردن الحديث، وخدمة قضايا أمتيه العربية
والإسلامية، فيما يقف الأردنيون عقب رحيل المغفور له الملك الحسين الباني،
بعزم وثبات إلى جانب من نذرهُ لخدمة وطنه وأمته، جلالة الملك عبدالله
الثاني، لمواصلة مسيرة البناء والتحديث والتنمية والإصلاح على نهج آبائه
وأجداده من بني هاشم.
وفي عصر ذلك اليوم، وتحت قبة مجلس الأمة، بيت الشعب، أقسم جلالة الملك عبد
الله الثاني، اليمين الدستورية ليحمل أمانة المسؤولية الأولى، مستعيناً
باسم الله وبركته، على المضي قدماً بمسيرة الدولة الأردنية، لتعزيز ما بناه
الآباء والأجداد، وليعلن بقَسَمه أمام المجلس، العهد الرابع للمملكة،
حاملاً أمانة المسؤولية من أجل رفعة الوطن وتقدمه.
واليوم، إذ تتزامن هذه المناسبة مع بداية عقد جديد، يمضي أبناء وبنات
الوطن قدماً في مسيرة الإصلاح الشامل والبناء والإنجاز التي انتهجها
قائدهم، ويتطلعون بعزم وإصرار للمزيد من العمل والعطاء بمجتمع تسوده
الديمقراطية والعدالة واحترام حقوق الإنسان، وتحقيق الاعتماد على الذات،
لتجاوز مختلف التحديات وصولاً لمستقبل أفضل.
وقال الراحل الكبير في الرسالة الأخيرة التي بعثها لنجله جلالة الملك عبد
الله الثاني "عرفت فيك، وأنت ابني الذي نشأ وترعرع بين يدي، حب الوطن
والانتماء إليه، والتفاني في العمل الجاد المخلص، ونكران الذات، والعزيمة
وقوة الإرادة وتوخي الموضوعية والاتزان والاسترشاد بالخلق الهاشمي السمح
الكريم، المستند إلى تقوى الله أولاً، ومحبة الناس والتواضع لهم، والحرص
على خدمتهم والعدل والمساواة بينهم".
وبهذه الذكرى الخالدة، يستذكر الأردنيون زعيماً عظيماً، وقائداً فذاً،
وبانياً متفانياً، كرس حياته وجهده لأمتيه العربية والإسلامية وقضاياها
العادلة، وخدمة بلده وشعبه الوفي، الذي بادله حباً بحب، وولاءً بولاء، على
درب بناء الدولة ومؤسساتها وتعزيز مكانتها، وسط أمتها والعالم أجمع، فهذه
الذكرى في نفس كل أردني وأردنية، الممتدة منذ تاريخ تسلم الملك الراحل
الحسين سلطاته الدستورية، وحتى السابع من شباط من العام 1999، حينما لاقى
قدره راضياً مرضياً، تبقى إحدى المحطات الراسخة في تاريخ الأردن.
كما نستذكر بهذه المناسبة، سجلاً تاريخياً لمسيرة الدولة الأردنية منذ
العام 1952، حين نودي بالحسين - طيب الله ثراه- ملكاً للمملكة الأردنية
الهاشمية، إلى أن أتم الحسين الثامنة عشرة من عمره في الثاني من أيار 1953،
ليقسم اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة، ثم قال "أبناء وطني ألا وان
العرش الذي انتهى إلينا، ليستمد قوته بعد الله من محبة الشعب وثقته".
ومنذ بدايات توليه سلطاته الدستورية، أقدم الراحل الكبير على خطوات شجاعة
ومؤثرة لخدمة الأردن، كان في مقدمتها تعريب قيادة الجيش الأردني في عام
1956، وإلغاء المعاهدة البريطانية عام 1957 لإكمال السيادة الوطنية والسير
على طريق المستقبل، والتأسيس المدني والدستوري السياسي لمواكبة التطوّر
والتحديث بمختلف أركانه، كما استطاع جلالة الملك الراحل، أن يحقق أعلى
مستويات النهوض في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن يكون
الباني لأردن الاعتدال والوسطية وتحقيق الحياة الفضلى لشعبه، مثلما واصلت
المملكة في ظل قيادته أداء دورها العربي والإقليمي والدولي باقتدار وتكامل
وتأثير، ورؤية ثاقبة للمستقبل.
أما القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي، والأجهزة الأمنية، فكانت محط
رعاية واعتزاز الملك الحسين، لتكون درعاً منيعاً في حماية حدود الوطن وصون
منجزاته، حيث شهدت في عهده تطوراً في مختلف مجالات التدريب والتأهيل
والتسليح، وكان لها إسهاماتها العديدة في مسيرة البناء والتنمية وحفظ الأمن
والسلام.
واضطلع الأردن في عهد الملك الحسين، بدور محوري في دعم جامعة الدول
العربية، والالتزام بقراراتها، وتأييد كل ما من شأنه تعزيز التعاون والعمل
العربي المشترك، ودعم القضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية للوصول إلى
حل عادل وشامل، يحفظ كرامة الأمة ويعيد الأرض لشعبها مقابل سلام يعم
المنطقة بأكملها، حيث كان الأردن دوماً في طليعة الجيوش العربية أثناء
مواجهاتها العسكرية التي خاضتها للدفاع عن فلسطين وحقوقها التاريخية
الثابتة، كما حقق الأردن بقيادة جلالة الملك الراحل، انتصاراً كبيراً في
معركة الكرامة الخالدة عام 1968، التي تم فيها كسر أسطورة الجيش الذي لا
يهزم.
وبما امتلكه من شجاعة ورؤية استشرافية، كان الحسين رجلَ حرب وسلام، فمثلما
كانت معركة الحرب بكل شرف وشجاعة، كانت معركة السلام التي توجت بتوقيع
معاهدة السلام في عام 1994، حيث أكد الأردن على ثوابته الاساسية والمتمثلة
في تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط، وإقامة سلام مبني على
قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338 وبما يضمن تلبية الحقوق الفلسطينية كافة،
خصوصاً إقامة الدولة المستقلة على التراب الفلسطيني.
وفي عهد الراحل الكبير، تبوأت المملكة مكانة متميزة على خارطة العالم،
كدولة تتسم بسياسة الاعتدال والاتزان والواقعية، وتؤمن بالسلام والعيش
المشترك، وصدر لجلالة الملك الحسين كتابان هما؛ "حربنا مع إسرائيل" و"مهنتي
كملك" .
واليوم، بعد 21 عاماً من أداء جلالة الملك عبد الله الثاني اليمين
الدستورية، ملكاً للمملكة الأردنية الهاشمية، في السابع من شباط عام 1999،
يواصل الأردنيون مسيرة البناء والتحديث والتقدم والإنجاز، خلف قيادتهم
الهاشمية الحكيمة، والمضي قدماً بالمسيرة الوطنية الأردنية، وتعزيز ما بناه
الآباء والأجداد، الذين قدموا التضحيات الجسام لرفعة الوطن ومكانته.
وتولى جلالته في هذا التاريخ مسؤولياته تجاه شعبه، الذي اعتبره عائلته،
موائماً بين حماسة وحيوية الشباب المتكئ على العلم والثقافة والحداثة، وبين
الحكمة والأصالة التي صقلتها الخبرات العلمية والعملية بصفة عامة، إلى
جانب تركيز جلالته على ضرورة العمل بترسيخ سيادة القانون وإدارة شؤون الوطن
في مناخ من العدالة والنزاهة والشفافية، ومواكبة مختلف متطلبات العصر التي
تفرض إطلاق طاقات الأردنيين وتمكينهم من أدوات العلم والمعرفة والتأهيل
والتدريب.
كما شكلّ رفع مستوى معيشة المواطن، والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة له،
أبرز اهتمامات جلالة الملك وجوهر أولوياته منذ تسلمه سلطاته الدستورية، فقد
انطلقت مسيرة الإصلاح بخطوات متسارعة عبر توسيع قاعدة المشاركة الشعبية
وإشراك المواطنين في صنع القرار، من خلال إقرار حزمة من القوانين
والتشريعات الإصلاحية، فضلاً عن توجيه جلالته الحكومات المتعاقبة لحماية
الفئات الأقل دخلاً والطبقة الوسطى، أثناء تطبيق الإصلاحات المالية،
والتخفيف من معاناة المواطنين في مختلف الظروف، إلى جانب التوجيهات
المستمرة من جلالته للحكومة، لضمان توفير حياة ومستقبل أفضل للأردنيين.
ويؤمن جلالة الملك، كما آمن والده جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال،
طيب الله ثراه، بأن ثروة الأردن الحقيقية هي المواطن، وأنه العامل الرئيسي
في عملية التنمية والتقدم، وهو هدفها ومحورها، كما يؤكد جلالته ضرورة
الاستثمار في المواطن من خلال تطوير التعليم في مختلف مراحله ومستوياته،
ووضع البرامج والاستراتيجيات الهادفة، لتزويده بالمعرفة والمهارة والخبرة
للدخول إلى سوق العمل.
ومن خلال جهود مكثفة ودؤوبة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية
والاجتماعية وعلى مختلف المستويات المحلية والإقليمية والدولية، عمل جلالة
الملك على تحقيق الأفضل للمواطن الأردني ولمستوى دخله ومعيشته، كما يبذل
جلالته جهوداً كبيرة في توضيح المفاهيم السمحة التي ينطلق منها الدين
الإسلامي الحنيف، إلى جانب مواصلة جلالته مساعيه من أجل تحقيق الأمن
والاستقرار في المنطقة، وتعزيز آفاق التعاون مع دول العالم.
ويؤكد جلالة الملك، أهمية تكريس مبدأ الشفافية والمساءلة وسيادة القانون
وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص وتعزيز منظومة مكافحة الفساد، ويشدد دوماً على
أهمية التعاون والتنسيق بين جميع المؤسسات الرقابية وتفعيل أنظمة المساءلة
على أسس شفافة ونزيهة وموضوعية، ووفقاً لأفضل المعايير والممارسات
الدولية.
وحرص جلالة الملك منذ تسلم مسؤولياته الدستورية على إثراء الممارسة
الديمقراطية المتجذرة في الوجدان الأردني، وتوسيع أدوار السلطة التشريعية
والارتقاء بها كركن أساس في البناء الديمقراطي للدولة الأردنية، التي تقف
على اعتاب المئوية الثانية لتأسيسها، حيث شهد الأردن منذ تولي جلالته
مقاليد الحكم وأدائه اليمين الدستورية أمام مجلس الامة، خطوات إصلاحية
كبيرة قادها جلالته، كان من أهمها التعديلات الدستورية.
وعززت التعديلات الدستورية لعام 2011 دور مجلس النواب ومكانته كركن أساسي
في نظام الحكم النيابي الملكي الوراثي، من خلال ترسيخ مبدأ الفصل بين
السلطات، وانشاء الهيئة المستقلة للإنتخاب، واختصاص القضاء بحق الفصل في
نيابة أعضاء المجلس، وإنشاء المحكمة الدستورية للرقابة على دستورية
القوانين والأنظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور، كما شملت الاصلاحات تحديث
قوانين؛ الأحزاب والانتخاب والاجتماعات العامة والمطبوعات والنشر، وإقرار
قانون اللامركزية وغيرها من التشريعات.
واستمراراً للنهج الملكي في التواصل المباشر مع المواطنين، حرص جلالة
الملك على زيارة العديد من مناطق المملكة، ولقاء المواطنين فيها، فيما شهد
الديوان الملكي الهاشمي، بيت الأردنيين جميعاً، لقاءات عديدة مع ممثلي
الفعاليات الشعبية والرسمية، ركزت بمجملها على سبل تحسين وتطوير الأوضاع
الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، حيث عكست هذه اللقاءات اهتمام جلالة الملك
وحرصه على الاستماع مباشرة من المواطنين والاطلاع على التحديات التي
تواجههم وسبل تجاوزها.
كما حرص جلالة الملك ضمن سلسلة لقاءات "مجلس بسمان"، على الاستماع لهموم
العديد من وجهاء وأبناء وبنات العشائر الأردنية، واطلع على احتياجاتهم
ومطالبهم، إلى جانب توجيهات جلالته المستمرة، خلال هذه اللقاءات، للحكومة
بضرورة تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، وتشكيل لجان مشتركة لتحديد
أولويات العمل ضمن الموارد المتاحة لمتابعة تنفيذ الممكن منها.
وفي ذات الإطار، قام جلالة الملك بزيارات مفاجئة وأخرى غير معلنة بين
الحين والآخر لعدد من المؤسسات الرسمية وتحديداً الخدمية منها، للاطلاع عن
كثب على واقع حال المواطنين ومعرفة تفاصيل احتياجاتهم، وما يواجهون من
معيقات في المؤسسات، وفي ضوء ذلك تصدر التوجيهات الملكية للسلطة التنفيذية
لتصويب الأوضاع، بما يخدم مصلحة المواطن والتسهيل عليه.
وتأتي هذه المناسبة العزيزة على قلوب جميع الأردنيين، بعد أيام من جولة
جلالة الملك في مناطق جنوب المملكة، تفقد خلالها عدداً من المشاريع
التنموية والزراعية والسياحية، والتقى مسؤولين وممثلين عن المجتمع المحلي،
في سياق نهج ملكي لتفقد أبناء شعبه في مناطق تواجدهم، حيث أكد جلالته على
ضرورة تعزيز التنمية والاستثمار في هذه المناطق، وبما ينعكس إيجاباً على
ازدهارها وتحسين الواقع المعيشي للقاطنين فيها، وتوفير فرص العمل للشباب،
مشدداً جلالته على أنه سيعود شخصياً لمتابعة جميع المشاريع التي يجري
تنفيذها في المنطقة.
وتنطلق رؤية جلالته في إحداث التنمية الاقتصادية المستدامة، من تبني
مَواطن القوة في المجتمع، على أساس الالتزام بالقيم والبناء على الإنجازات
والسعي نحو الفرص المتاحة واستغلالها، لأن تحقيق التنمية الشاملة وبناء
اقتصاد قوي، يعتمدان على الموارد البشرية المتسلحة بالعلم والتدريب، بما
يسهم في تجاوز مخنتلف التحديات بهمة وعزيمة، وبالعمل الجاد المخلص لتحقيق
مختلف الطموحات.
ودعا جلالة الملك، خلال مشاركته في سلسلة الورشات المتعلقة بتحفيز
الاقتصاد وتنشيطه، إلى استمرارية مشاركة الجميع في تقييم ومراقبة تنفيذ
الحزم التحفيزية الاقتصادية التي أطلقتها الحكومة بهدف تحسين المستوى
المعيشي للمواطنين، كما وجه جلالته الحكومة خلال هذه الورشات إلى ضرورة ربط
الإجراءات التنفيذية ببرنامج زمني واضح يضمن تقييم النتائج وفقاً لمؤشرات
الأداء، وبما يلمس أثره المواطن على أرض الواقع.
ولأن دور جلالة الملك وجهوده الكبيرة في المنطقة يحظى باهتمام وتقدير
عالمي، حاز جلالته على العديد من الجوائز العالمية والدولية التي جاءت
تقديراً لسياسته وجهوده الحكيمة في مختلف المجالات، حيث كان آخرها جائزة
«رجل الدولة - الباحث» لعام 2019 التي منحها معهد واشنطن لسياسة الشرق
الأدنى، لجلالته تسلمها في حفل بحضور جلالة الملكة رانيا العبدالله، وسمو
الأمير الحسين ابن عبدالله الثاني ولي العهد، في نيويورك، تقديرا لسياسة
جلالته الحكيمة وجهوده في تحقيق السلام والاستقرار والوئام والتسامح في
منطقة الشرق الأوسط، كما تسلم جلالته «درع العمل التنموي العربي» لعام
2019، الذي منحته جامعة الدول العربية لجلالته تقديرا لجهوده في تعزيز
مسيرة التنمية في الأردن، ودوره في دعم القضايا العربية.
كما تسلم جلالة الملك، جائزة مصباح السلام للعام 2019، وذلك تقديراً لجهود
جلالته وسعيه الدؤوب لتعزيز حقوق الإنسان والتآخي وحوار الأديان والسلام
في الشرق الأوسط والعالم، بالإضافة إلى جهود الأردن، بقيادة جلالته، في
استضافة اللاجئين.
ولكون ثروة الأردن الحقيقية بأبنائه، يقع الشباب الأردني في صُلب اهتمامات
جلالة الملك، ويحظون برعايته ومساندته، كما يؤكد جلالته دوماً على ضرورة
تحفيزهم وتمكينهم من خلال احتضان أفكارهم ودعم مشاريعهم، لتتحول إلى مشاريع
إنتاجية مدرّة للدخل وذات قيمة اقتصادية، حيث تقوم رؤية جلالته على
الاستثمار في الإنسان الأردني المبدع والمتميز بعطائه، كما يوجه جلالته
القطاعين العام والخاص إلى أهمية مواصلة العمل على زيادة فرص العمل للشباب،
والاستثمار في قطاعات الزراعة والطاقة والسياحة العلاجية والدينية
والمغامرات وغيرها.
كما يحث جلالة الملك شباب وشابات الوطن دوماً على العمل بجدية وتفاؤل، وأن
يكون لهم دور فاعل ومشاركة إيجابية في صنع القرار، والتفكير بحلول إبداعية
وابتكارية، لتصبح الأفكار مشاريع على أرض الواقع، وتكون قصص نجاح تحفز
الشباب على مزيد من العمل والإنجاز.
ولبناء قدرات أجيال الحاضر والمستقبل، أُطلقت الاستراتيجية الوطنية لتنمية
الموارد البشرية بناء على توجيهات جلالة الملك، لتسهم في تطوير منظومة
متكاملة واستراتيجية شاملة وواضحة المعالم لتنمية الموارد البشرية، وتؤطر
عمل القطاعات المعنية بالتعليم بوجه عام، كما شكلت بداية إيجابية للتنمية
الشاملة ضمن هذا القطاع وفق برامج وخطط قابلة للتطبيق، ومؤشرات قياس واضحة.
وشهد النهوض بواقع المرأة في عهد جلالته ومشاركتها، وتكريس قدرتها على
ممارسة جميع حقوقها، خطوات نوعية خاصة تستهدف تفعيل مشاركتها في الحياة
السياسية والعامة، إلى جانب اهتمام جلالته بسن التشريعات اللازمة التي
تؤمّن للمرأة دوراً كاملاً غير منقوص في الحياة الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية في المملكة.
كما شهد القضاء في عهد جلالة الملك، جملة من التطورات الإصلاحية المهمة
أسهمت في تعزيز دور القضاء النزيه والعادل، حيث يؤكد جلالته دوماً على
أهمية القضاء ودوره في ترسيخ العدالة وسيادة القانون ومكافحة جميع أشكال
الفساد وحماية المجتمع وتعزيز النهج الإصلاحي، إلى جانب حرص جلالته على دعم
الجهاز القضائي واستقلاليته وتعزيز إمكاناته ورفده بالكفاءات المؤهلة
لضمان القيام بمهامه وواجباته على أكمل وجه.
وفي سياق التمكين الاجتماعي للجمعيات ودور الرعاية التي تعنى بالمسنين
وذوي الاحتياجات الخاصة في مختلف مناطق المملكة، جاءت التوجيهات الملكية
بتقديم الدعم المالي المباشر لهذه الجمعيات ورفدها بما تحتاجه من تجهيزات،
لتتمكن من القيام بمهامها والاستمرار في تقديم خدماتها لهذه الفئة،
والارتقاء بنوعية هذه الخدمات.
وتمضي المملكة في عهد جلالة الملك، وفق خارطة إصلاح سياسي واقتصادي أثمرت
عن إنجاز العديد من الخطوات الإصلاحية، من أبرزها؛ تعديل وتطوير التشريعات
السياسية، وإرساء قواعد ديمقراطية للعمل السياسي على مستوى السلطات
التشريعية والتنفيذية والقضائية، بالتزامن مع التقدم نحو مأسسة العمل
الحزبي، وتطوير آليات العمل النيابي، من خلال سن قوانين وانتخاب وأحزاب
متقدمة وعصرية، كما عمل جلالته على مأسسة العمل الديمقراطي والتعددية
السياسية نحو ترسيخ شراكة حقيقية للجميع في العملية السياسية وصناعة
القرار، فضلاً عن سعيه الدؤوب لتحقيق الاستدامة في النمو الاقتصادي
والتنمية الاجتماعية بهدف تحسين المستوى المعيشي للمواطن.
وأرسى جلالة الملك رؤية واضحة للإصلاح الشامل ومستقبل الديمقراطية في
الأردن، عبر سلسلة من الأوراق النقاشية التي سعى جلالته من خلالها إلى
تحفيز حوار وطني حول مسيرة الإصلاح وعملية التحول الديمقراطي التي يمر بها
الأردن، بهدف بناء التوافق وتعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، وإدامة
الزخم البناء حول عملية الإصلاح الشامل، حيث أصدر جلالته سبع أوراق نقاشية
تناولت؛ المسيرة نحو بناء الديمقراطية المتجددة، وتطوير نظامنا الديمقراطي
لخدمة جميع الأردنيين، وأدوار تنتظرنا لنجاح ديمقراطيتنا المتجددة، ونحو
تمكين ديمقراطي ومواطنة فاعلة، وتعميق التحول الديمقراطي، وسيادة القانون
أساس الدولة المدنية، وبناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية جوهر
نهضة الأمة.
ويولي جلالة الملك، القائد الأعلى للقوات المسلحة، القوات المسلحة
الأردنية - الجيش العربي والأجهزة الأمنية، جل اهتمامه، ويحرص على أن تكون
هذه المؤسسات في الطليعة إعداداً وتدريباً وتأهيلاً، فمنذ اللحظة الأولى
لتسلم جلالته سلطاته الدستورية، سعى إلى تطوير القوات المسلحة والأجهزة
الأمنية وتحديثها لتكون قادرة على حماية الوطن ومكتسباته والقيام بمهامها
على أكمل وجه، إلى جانب تحسين أوضاع منتسبيها العاملين والمتقاعدين، حيث
أصبحت مثالاً ونموذجاً في الأداء والتدريب والتسليح وقدرتها وكفاءتها
القتالية العالية، من خلال توفير مختلف المتطلبات التي تمكنها من تنفيذ
مهامها وواجباتها داخل الوطن وخارجه.
وجاء توجيه جلالة الملك للحكومة بالسير في دمج المديرية العامة لقوات
الدرك والمديرية العامة للدفاع المدني ضمن مديرية الأمن العام، وإنجاز
الإجراءات التشريعية والإدارية اللازمة لذلك، بهدف ضمان تعميق التنسيق
الأمني المحترف، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطن، والتوفير على الموازنة
العامة وضبط النفقات.
ويؤمن جلالة الملك عبدالله الثاني بأن الأردن وارث رسالة الثورة العربية
الكبرى، ولذلك يجب أن يظل الأكثر انتماء لأمتيه العربية والإسلامية،
والأكثر حرصاً على القيام بواجبه تجاه قضايا الأمتين، وتطلعات أبنائها
المستقبلية، وعلى رأس هذه القضايا القضية الفلسطينية، ومساندتها بكل ما
للأردن من إمكانيات وعلاقات مع العالم بأسره.
وكما كان دوماً، يواصل الأردن بقيادة جلالته، دوره التاريخي في رعاية
المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس من منطلق الوصاية الهاشمية عليها،
والحفاظ على عروبة مدينة القدس وهويتها بصفتها العاصمة الأبدية لفلسطين من
خلال دعم وتثبيت أهلها وتعزيز وجودهم، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على الوضع
التاريخي القائم في القدس وعدم المساس به، لما سيكون له انعكاسات على
الأمن والسلام في المنطقة برمتها.
وشكل إعلان جلالة الملك بانتهاء العمل بالملحقين الخاصين بمنطقتي الغمر
والباقورة في اتفاقية السلام، وفرض السيادة الأردنية الكاملة على كل شبر
منه، انتصاراً للإرادة السياسية الأردنية، التي يمثلها جلالة الملك.
وبذات الاتجاه، كرس جلالة الملك جهوده الدؤوبة مع الدول الفاعلة للتأكيد
على مركزية القضية الفلسطينية، وضرورة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
وفق حل الدولتين وبما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط
الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهي جهود ترافقت مع دعم
ملكي متواصل للأشقاء الفلسطينيين لنيل حقوقهم العادلة على ترابهم الوطني.
كما تحمل لقاءات جلالته المتواصلة مع العديد من علماء الدين الإسلامي
ورجال الدين المسيحي في القدس، تأكيداً واضحاً على دعمه لصمود كنائس الأرض
المقدسة، إذ يشدد جلالته دوماً على أن حق المسلمين والمسيحيين في القدس
أبدي وخالد، وأن الأردن سيواصل دوره بحمايته.
وترتكز الشرعية الدينية لجلالة الملك، على الإسلام والإنجاز، وأن العدل
بنظر جلالته هو أساس الملك الذي آل إليه بحكم النسب الطاهر والسلالة
الشريفة الممتدة إلى النبي الهاشمي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو مؤمن بربط
السلام بصدق الإسلام، ويعبر عن ذلك برعايته للفكر الإسلامي البنّاء
والمستنير، وبحرصه على اجتماع علماء المسلمين وتقارب وجهات نظرهم، في سبيل
تعميم ثقافة وسطية تجمع المسلمين والمؤمنين ولا تفرقهم.
وعلى المستوى الدولي، رسمت لقاءات ومباحثات جلالة الملك في مختلف المحافل
الدولية نهجاً واضحاً في التعاطي مع مختلف القضايا والأزمات التي تمر بها
المنطقة والعالم، حيث كان لمشاركات جلالته عربياً وإقليمياً وعالمياً الصدى
البارز، والأثر الواضح في توضيح صورة الإسلام السمحة، والعمل بتنسيق
وتشاور مستمر مع مختلف الأطراف الفاعلة لمكافحة الإرهاب والتصدي له، حفظاً
للأمن والسلم العالميين، إلى جانب مختلف الجهود والمساعي الحثيثة التي
يبذلها جلالته على مختلف الأصعدة.
وألقى جلالة الملك في كانون الثاني الماضي، خطاباً أمام البرلمان الأوروبي
في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، تناول جلالته فيه قضايا محلية وإقليمية
ودولية، فيما ألقى جلالته خطاباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة العام في
أيلول الماضي، خلال الجلسة العامة لاجتماعات الدورة الرابعة والسبعين
للجمعية في نيويورك، كما ألقى جلالته كلمة الأردن في الدورة العادية
الثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة التي انعقدت في تونس
آذار الماضي.
كما يحمل جلالة الملك مواقف ثابتة تجاه أشقائه العرب والوقوف إلى جانبهم
في مختلف الظروف، دون التدخل في شؤونهم الداخلية، ويدعو باستمرار إلى إيجاد
حلول سياسية للأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية، وبما ينهي معاناة
شعوب هذه الدول ويحقق لهم الأمن والاستقرار.
ويحظى الأردن بمكانة متميزة في جميع المحافل الدولية، جاءت نتيجة السياسات
المعتدلة والرؤية الواقعية إزاء القضايا الإقليمية والدولية التي يقوم بها
جلالة الملك، إضافة إلى دوره المحوري في التعامل مع هذه القضايا، وجهوده
لتحقيق السلام وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
واليوم، والأردنيون يحيون ذكرى الوفاء والبيعة، فإنهم يواصلون مسيرة
البناء والتنمية والتحديث والإنجاز التي يقودها جلالة الملك عبد الله
الثاني، لتحقيق مختلف الطموحات والأهداف التي ترتقي بالوطن والمواطن، رغم
ما يحيط بهم من أزمات وتحديات، لإيمانهم العميق بقدرتهم على تحويل هذه
التحديات إلى فرص، والمضي قدماً نحو مستقبل أفضل وغد مشرق.