أول أمس مررت بجانب مديرية البحث الجنائي في العبدلي، وحين تقف أمام المبنى الضخم تشاهد سيارات تنقل بعض المطلوبين، وأخرى ترحل بعضهم للسجون وضابط صغير في مقتبل العمر خرج نحو مطعم قريب لشراء السندويشات، واخر مشى في الممر الخارجي لاستنشاق بعض الهواء.
أكثر مهنة يتعرض أفرادها للخطر في زمن الكورونا هم الشرطة، وأكثر مهنة يتعاطى أفرادها مع الخطر بصمت تام هم الشرطة أيضا، هذه المرة قصتهم ليست مرتبطة بخلية إرهابية محاصرة في بقعة ما، وعلى القناص أن يكون محترفا، ولا يخطيء الطلقة وقصتهم أيضا ليست مرتبطة ببؤرة تنشط فيها تجارة المخدرات، ولا بجريمة قتل بشعة استعصت على الحل، قصتهم مرتبطة بمجتمع كامل وعليهم معاقبة من يروج للإشاعة، وعليهم أيضا أن يشيعوا نوعا من الاطمئنان في الشارع.
لم ينتبه الإعلام لهذه المؤسسة، لم ينتبه الإعلام للشرطة القضائية التي تنقل مطلوبا وتخلي سبيل اخر ويتعامل أفرادها مع المئات من الناس، وعليهم تأدية الواجب قبل أخذ احتياطات السلامة، لم ينتبه الإعلام لجهاز البحث الجنائي الذي يتعامل مع المجرم والمطلوب والنشال والنصاب، ولم ينتبه الإعلام لهجمة الناس على (المولات) من أجل التسوق، بالمقابل شرطي السير الذي يؤدي وظيفته على الدراجة النارية مطلوب منه أن يبقى في الشارع، ويراقب الناس، والمؤنة التي يبحث عنها في الحياة هي الرضى.
في الأردن بالرغم من الإخفاقات الكثيرة إلا أننا لم نخفق في مجال مهم وهو المؤسسة الأمنية، التي بنيت على الإنضباط والحس الوطني العالي، والتي تتعاطى مع الأمر دون شكوى من أحد , أو تذمر من مرتب ما، أو تقصير في واجب.
مازال في بلدنا بالرغم من الخوف والقلق، وبالرغم من الخطر رجال لم يتغير على تفاتيهم شيئا وهؤلاء في لحظة، هم الأولى بالحوافز وهم الأولى بالتأمين الصحي، وهم الأولى بالرعاية وهم تحت الخطر أكثر من غيرهم، وعليهم أن يقوموا بتأدية المطلوب منهم دون التفات للخلف.
وهنا أسأل لماذا يستولي الخوف على الناس، بالمقابل لم يداهم الخوف قلب شرطي يقف وظيفة على باب مؤسسة، ولا قلب محقق في إدارة البحث الجنائي ولا قلب سائق متجه إلى سجن سواقة لنقل بعض الحاجيات.
لماذا هؤلاء وحدهم دون غيرهم محرم عليهم الخوف والفزع ؟