الإغراق في التأصيل المعرفيّ لما يحدث اليوم بسبب "كورونا"، سيطر على مساحة كبيرة من عقول غالبيّة سكّان العالم، خصوصًا في بداية انتشار الفيروس، إذ ذهب أغلبهم إلى أنّ الفيروس "مخترع"، أي بمعنى "اختراع الوباء"، وهذه العقليّة هي عقليّة أغلب العامّة، وفيها شيء من الدّين والغيب والخرافات، وكثير من إنكار الحقائق العلميّة. فأصحابها يشكّكون في كلّ شيء، وهم غارقون في نظريّة المؤامرة، وتجدهم لا يصدّقون الأرقام المعلنة من جميع الجهات.
وعلى الرغم من أنّ "كورونا" لا يقارن بطاعون جستنيان ولا بطاعون الموت الأسود من حيث الفتك بالنّاس، لكنّ منظّمة الصّحّة العالميّة صنّفته "جائحة عالميّة". هنا، برزت العقليّة التي تستند إلى الماضي وتعود للتاريخ، لتفسير الوباء أو بيان كيفيّة التعامل معه. واستدعى أصحابها مؤلّفات ومسلسلات كارتونية قديمة، ومنهم بعض إخواننا المتديّنين الذين استدعوا طاعون عمواس، وأرادوا إسقاط نفس تعامل السّلف معه على عصرنا بالحرف، وهؤلاء استنكروا إغلاق المساجد لأنّ السّلف لم ينقل عنهم ذلك.
سواء كان "كورونا" مصنّعًا في مختبر صينيّ أو أمريكيّ أو فرنسيّ، أو تطوّر في جسد خفّاش، أو حتّى نزل علينا من صحن فضائيّ طائر. ما الذي سيتغيّر الآن لو عرفنا الحقيقة؟
بعيدًا عن السيناريوهات المحتملة لأصل "كورونا"، وأيّ تأصيلات معرفيّة لما يحدث، والتصوّرات والمآلات الفلسفيّة لعالمنا مرحلة ما بعد "كورونا"، فالاستماع لنصائح الأطبّاء ومنظّمة الصّحّة العالميّة، يكفينا لحفظ الذّات والبشريّة من الوقوع في فخّ الفيروس. وكلّ هذه الفلسفة قد تسقط أمام نصيحة "اغسل يديك، ولا تخرج من البيت".
الآن، المطلوب هو معرفة تركيب هذا الفيروس وإيجاد علاج يقضي عليه، وهذه مهمّة العلماء. أمّا الجالسون وراء الشّاشات، فدورهم يقتصر على الالتزام بالحجر الصّحيّ والتباعد الاجتماعيّ، وتوعية النّاس بهذا الجانب. واكتشافهم للحقيقة -إن كان ممكننًا- لن يغيّر شيئًا.