يتميز العقل البشري بقدرات عديدة، من بينها: التعلم، المحاكاة أو التقليد، والابتكار.
استفاد الاغريق والرومان من القدرات الثلاث ووظفوها. ولكنهم اشتهروا بالابتكار اكثر.
أطفأت الكنيسة الكاثوليكية القدرات الثلاث في الغرب منذ ان بسطت ظلامها على القارة الاوروبية بعد أن تبنت الامبراطوريه الرومانية الديانه المسيحيه، فهدمت الكنيسة حضارة مزدهرة مستنيرة لو استمر تدفقها وتفاعلها لكانت الانسانية تعيش واقعا مختلفا اكثر رقيا وتقدما وانسانية.
فتوحات الاغريق في الشمال والمشرق ومصر اتاحت تصدير حضارتهم ونجاتها من ثعابين الكنيسة وعقاربها.
عندما نشأت الدولة الاسلامية على انقاض الرومان والفرس، وتوسعت شرقا لتضم الهند واطراف الصين، اتيحت الفرصة لبقايا العلماء من تلك الحضارات ان يزيلوا عنها الرماد وينفخوا على بقايا الجمر. فعادت الحياة للعلم والعلماء، وترجموا الى العربية خلاصات الانجازات البشريه السابقة. اي ان هذه المرحلة كانت مرحلة تعلم ومحاكاة وشئ من الابتكار.
غير أن ما اصاب الحضارة الاغريقية الرومانية الغربية من همجية الكنيسة وتخلفها، اصاب الحضارة الاسلامية بعد انتصار التوجه السلفي بقيادة الامام الشافعي. حيث تم تكفير العلماء والفلاسفة وملاحقتهم وسجنهم او تقتيلهم وحرق كتبهم. إنهم العلماء الذين نتفاخر بهم هذه الايام. وتم إغراق العالم العربي والاسلامي في ظلام الجهل والاستبداد الذي جلبته موجات الغزو والحكم التتري والسلجوقي والمملوكي والعثماني .
كان لا بد للشمس ان تسطع على اوروبا من جديد بعد ان تمرد الاوروبيون على الكنيسة وهتكوا حجبها وغيبياتها وظلاميتها وظلمها. بدأوا بالتعلم في الديار الاسلامية، ثم محاكاة ما لدى علماء المسلمين. كما نبشوا الكهوف والركام لاسترداد ما انجزه اسلافهم. فبدأت مرحلة الابتكار التي لم تتوقف لحد الان.
ماذا عن عالمنا العربي الاسلامي؟ كثيرون يتعلمون، وقليلون يحاكون، وندرة يبتكرون. نكتفي بالاشتهاء والتمني والدعاء للحصول على ما نشتهي ونتمنى. وإن لاحت الفرصة نثب على ما لدى الغير ، لأن طبع الغزو لا زال يجري في دمائنا التي توصله الى عقولنا وايادينا.