ما يتم تداوله من معلومات وأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإخبارية والمتعلق بملفات الفساد والرواتب السماوية الفلكية التي يتلقاها موظفون أرضيون خلقت حالة مربكه من السجال والضجيج الإعلامي وجدلا واسعا في الشارع الأردني في ظل صمت وسكوت حكومي مطبق تتخلله بعض التصريحات الضعيفة غير المقنعة حول ما يتم تداوله، مما يؤشر على ضعف الحكومة في اللعب على أوتار الإعلام، وعدم إدراكها لأهمية هذه الأوتار في عزف ألحان الهدوء والاستقرار.
قد يكون الصمت أبلغ من الكلام في بعض الأحيان، لكنه أبله من الكلام في أحيان أخرى، فالصمت الحكومي أدخلنا في دائرة الشك بما يجري، ويبدو أنها لا تعلم أن معظم الناس يذهبون إلى تصديق ما يتعرضون له عبر وسائل الإعلام، وهذا مؤكد من خلال الدراسات الإعلامية، حيث يصبح ما يتم تداوله من معلومات وأخبارعبر هذه الوسائل مع الوقت على أنها حقائق، ومع مرور الوقت تتجذر في نفوسنا، لتكوّن صورة ذهنية سلبية عن واقعنا، واحتقان قد ينفجر في وقت من الأوقات.
في هكذا ظروف تصبح الأقلية التي لها رأي مختلف بما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام مضطرة للزوم الصمت والنأي بنفسها عن الضجيج والسجالات الإعلامية، خوفا من ردات الفعل القوية التي قد تتعرض لها على مواقع التواصل الاجتماعي والتي قد تصل حد السب والشتم والذم والتحقير، والاتهام بالعمالة والموالاة للحكومة على حساب المواطنين المغلوب على أمرهم، حتى بات الرأي العقلاني، والقول المتزن، نوعا من الخيانة، يضطر صاحبه الى اللجوء للكتمان متحملا الإثم في ذلك.
لا أحد في مصلحته أن تتحول قضايا الوطن ومشاكله إلى مزاودات بين الساعين إلى الشهرة، والمتلاعبين بالمشاعر والطامحين في السيادة، والوصول الى عقول وقلوب المواطنين، والتسلق على ظهورهم، من خلال الكلام المعسول، والعزف على أوتار لقمة عيشهم ومعاناتهم مستخدمين بذلك مفردات منتقاه من قواميس اللغة ومخزوناتها، مغلبين بذلك مصالحهم الخاصة على مصالح الوطن العليا.
ما يقلق المواطنين ويشغل بالهم على مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام، ملفين رئيسين، الفساد والرواتب الفلكية، وسيبقى هذان الملفان هاجسهم على مدى الأيام لحين معالجتهما على نحو يحقق طموحات وآمال المواطنين، ويعيد لهم ما سلب من حقوقهم.
هل تترجل الحكومة وتخرج عن صمتها برسالة تطمئن المواطنين بأن هذين الملفين هما موضع اهتمام الحكومة، وستعمل على اتخاذ الاجراءات المناسبة والجادة بشأنهما، وسيتم احاطة المواطنين بالحقائق المتصلة بهما، وسيعلم المواطن بما يتم من اجراءات لمعالجة هذه الاختلالات أولا بأول، وغير ذلك يعني أن الحكومة تدير ظهرها للرأي العام غير مكترثة بالضجيج والسجال الاعلامي الجاري، وصمتها بهذه الطريقة يعني التقرير والمخاطرة بما يجري، ويرفع من وتيرة التنمر والفوضى والتطاول على هيبة الدولة، وينذر بموقعة ساخنة بين الحكومة والمواطنين، فعلى الحكومة أن تبادر حتى لا يكون الهدوء والأمان ضحية وسط هذا السجال والضجيج الإعلامي في ظل هذا الصمت الحكومي الغث.