ليسَ صُدفةً أنْ يتزامنَ عيدُ الأم مع عيدِ الكرامةِ وبدايةِ فصلِ الربيع، حيث اخضرار الحياة وإِزْهَارِهَا وَفَوْحِ عَبَقِهَا الجميل، فالطبيعةُ هي أُمُّنَا التي تَمنحُنا على الدوام الجمال والفرح والحياة والأمل، ولا تبخلَ علينا بما يَمْلَئُ حياتَنا سعادةً ومسرةً، وبما يوفِّرُ لنا مساحة من الحرية والإنطلاق والإبحار في عالمٍ فسيح أوجده الله لأجلنا لنَجِدَ فيه ما يُبهج القلوبَ ويُسِّرُ الأبدانَ ويفتّحُ العقول.
وإنْ كانَ مِنْ سُنُنِ الدورَةِ الطبيبعة أنْ يُطِّلَ علينا فصل الربيع كلَّ عام، إلا أنه من أجمل فصول السنة بعد أن يمحو عتمة الليل وبرد الشتاء وجمود الحياة، فينقشعَ الظلام ويعتدلُ الجو وتتفتَّح أزهارُ الحياةِ والجمالِ والحبِّ والعشقِ، وكأن هذا الفصل الربيعي يقول لنا أنه مهما طال ليل الشتاء ومهما عصفت بنا الأيام بَرْدَاً وشدة وقساوة، ومهما طال سواد الليل فلا بد لليل أن ينجلي ولا بّد للقيد أن ينكسر.
ولربما ربيع هذا العام يحمل معه بشائر انقشاع ونشفان وزوال فيروس كورونا الذي زرع سيفاً في قلوبنا وحسرة على من حَصدَت الكورونا أرواحهم ونزعتهم من دنيانا، كما وبعّدت بيننا المسافات حتى أن كثيرين لن يتمكنوا هذا العام من التنعم بحضن أمهاتهم الدافئ، الذي كما قال فيها شاكسبير " لم أجد في العالم وسادة أنعم من حضن الأم".
فقلبُ الأم هو من قلبِ الله، وحنانُ الأم هو من حنانِ الله، وخوفُ الأمِ على أولادها هو من خوف الله علينا وسهره على راحتنا، وعطاء الأم اللامحدود هو من عطاء الله الذي لا يَنضُبُ بل يفيض فينا إلى حياة أبدية " فما لم تره عين ولم تسمع به أذن ما أعدّه الله للذين يحبونه".
لذلك نقول لأمهاتنا كلُّ عام وأنتن بألف خير، فنحن زهرُ الربيع الذي يتفتح على أياديكّن، ونحن الأملُ الذي عشتّن لأجله، ونحن البسمةُ التي ارتسمت على شفاهكّن، ونحن الفرسان الذين رضعن مِنكُّنَ الكرامة والشهامة والرجولة والأصالة.
إليك يا أمي نقول .. رأيت نور السماء بوبجهك، واختبرت محبة الله بقلبك، وعرفت معنى العطاء بتضحيتك، وفهمت معنى الحياة بسهرك، فليس لنا إلا أن ندعو الله لأجلك، وكما حَمَلَتنا يديك الطاهرتين سوف تحملك قلوبنا مدى الدهر.