إن من أهم روافع القضية الفلسطينية عموماً والقدس تحديداً التي أشار إليها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين العظم بأنَّه لا مساومة عليها ولا تفريط بمقدساتها الإسلامية والمسيحية ولا بالوصاية والرعاية الهاشمية عليها، هي المؤسسات الدينية، كون أن القضية تتعلق بموضوع العدالة وبحقوق تاريخية ودينية أقرتها مواثيق دولية وقرارات الأمم المتحدة.
وهنا لا نعني التحول عن العمل الأساس في خدمة الفكر الديني ورعاية والناس وتنشئتهم التنشة الصالحة والمُحَّبة، وإنما إيلاء الموضوع إهتماماً كبيراً من زاويةِ العَدالة التي هي في صُلب العقيدة والإيمان، التي تَجمع الجميع وتوحدهم بأنّ العدالة لا تتجزأ وأنَّ الجميع مدعو أن يعيش ويحيا بكرامة وحرية وعدالة ومساواة. فإعطاء ما لله لله في الفكر الديني لا يعني بتاتاً التخلّي عن كافة الجوانب المتعلقة بهموم الناس وأوجاعهم، بل إن ذلك هو في صلب الخدمة المتوقعة من عامة الشعب. فالمؤسسة الدينية هي صوت آلام الشعب والمدافع عنه والنصير الأساسي لإنهاء معاناته وآلامه وسلب حقوقه والإنتقاص من كرامته.
فهذا الصوت النبوي للمؤسسة الدينية لا يجب أن يخفت بل أن يكبر ويزداد مع الزمن، إذ يشكل رافعة أساسية في عالم ينادي بحقوق الإنسان وتحقيق العدالة وحق تقرير المصير، وإلا تفقد مثل هذه المؤسسات الدينية قوة تأثيرها وأهمية وجودها ومصداقيتها في حياة شعوبها. فحياة الناس والدفاع عنها هي في صلب العمل الديني، فلا ترض المؤسسات الدينية إسلامية كانت أم مسيحية أن يشتشري الظلم وأن تُسلب الحقوق وأن يُمارس التمييز العنصري أو أن تغيب العدالة، بل تعمل جاهدة وبكل الطريق السلمية والتوعوية والطرق الدبلوماسية والقانونية والشرعية أن توصل صوت شعوبها المتألمه والمناضلة من أجل حريتها وحقوقها وكرامتها. فكم كان صوت المطران ديسموند تونو قوياً ومؤثراً في جنوب أفريقينا وسمع صداعه في زوايا الأرض، وكم كان صوت القس مارتن لوثر كيغ مؤثراً في الستينات في قضية التمييز العنصري في أمريكا، وكم كان وما زال صوت البطريرك مشيل صباح مؤثراً على صعيد القضية الفلسطينية ومدينة القدس الشريف، وغيرهم الكثير.
إن صوت المؤسسسة الدينية يجب أن يزاد توهجاً وقوة مع الزمن، لما تمثله من قيم ومبادئ روحية وانعكاساً لرسالتها السماوية في تحقيقة العدالة والسلام ونشر المحبة والوئام. ويبقى تأثيرها قوياً في قلوب مؤمنيها حول العالم.