احتفلت المملكة بعيد الإستقلال الخامس والسبعين وتزيَّنَت الشوارع بالأعلام الأردنية الخفاقة في كل المحافظات، وأعادَ لنا الإحتفال السنوي بعيد الإستقلال في قصر رغدان العامر الفرح بغدٍ مُشرق، وخصوصاً بتكريم كوكبة من أبناء الأردن الذين كانت لهم بصماتٌ واضحةٌ في المئوية الأولى في شتى القطاعات والميادين والتي عليها بُني الأردن الحديث بكل ما ننعمُ به من استقرارٍ وأمنٍ وأمانٍ ومؤسساتٍ دستوريةٍ رَسَّخَت مفهومَ الدولةِ العصريةِ الحديثة.
إنَّ هذا التكريم بالدرجة الأولى هو انعكاسٌ لتقديرِ الدولة لأبنائها المخلصين، وهو نهج سارت عليه الدولة الأردنية، وخصوصاً لأولئك الذين ضَحُّوا بالغالي والنفيس من أجل النهوض بالأردن في فترةٍ أصعبَ ما تكون في ظل محدودية الموارد والإمكانيات ولكن بظل عزيمة صلبة وإرادة لا تلين خلف قيادةٍ مباركة من سبط آل البيت وضعَتْ على عاتقها بناء دولة أردنية هاشمية على مبادىء الثورة العربية الكبرى لتكون ملاذا للعرب وكل العرب لحمل مشعل الحرية والعدالة والوحدة التي لطالما حلم بها المشرق العرب الذي عانى من المطامع والتفتيت والتجهيل والاستغلال.
لذلك، فهذا التكريم لهذه الكوكبة التي نعتز بها، والذين ما زال بعضهم يتدفق عطاء وخدمة، إنما يَشحَنُ عزيمة الأردنيين لمزيدٍ من التكريس والعطاء والخدمة في سبيل رفعة الأردن واستقراره وتقدمه. فما بناه الأوائل كان لبنةَ بناءٍ أعلَت الصرحَ وعلَّت الدار، ووفاؤهم وعطاؤهم الدائم هو نبراس لجيل جديد عليه أن يؤمن بما آمن به الآباء والأجداد في استكمال بناء الوطن الأغلى والأعَّزْ والنهوضِ به واكمال مسيرته التي سار على نهجها ليحقق مفهوم الهُوية الوطنية الجامعة التي تجمع جميع الأردنيين مسلمين ومسيحيين ومن شتى المنابت والأصول في بوتقة المواطنة التي تساوي بين الجميع أمام القانون وتحقق مفهوم العدالة دون أدنى تمييز.
وفوق كلِّ شيء يَبقى هذا التكريم فَخرٌ لكلِّ أبناءِ المجتمع، فقد حَبانا الله بأناس مبدعين ومخلصين من أبناء جلدتنا استطاعوا أن يقدموا المثال الصادق والأمين وبما يحقق المثل الشعبي المعروف "لا يحرث الأرض إلا عجولها". ففي وسط ظهرانينا هناك عقولٌ كبيرة ومفكِّرَة، وهناك قدرات، وابداعات، إذا استغلت واستثمرت جيداً تكون قادرة إلى دفع عجلة التنمية والتطوير والتحديث بما يضاهي الدول المتقدمة والحديثة.
لذلك فهذا التكريم الملكي بالمئوية لكوكبة مبدعة إنما هو حَدَثٌ مُفعَمٌ بالرسائل الملكية نحو تحفيز جيل الشباب الواعد بالبحث عن الإبداع والريادة وابتكار طرق خلاّقة للدخول في المئوية الثانية بما يتناسب ومتطلبات العصر والمرحلة القادمة.