في الغرب من عمان وليس غرب عمان ، تغفو قريتي أم عبهره الوادعه على هضبه وترخي جدائلهاعلى سفوح جبلين كجدائل امي التي يبدو عليها الكبر من لون الحناء الاحمر يخالطه بعض بياض الشعر . تحاول عبثا ان تخفي معالم السنين وهرطقات الزمن ، حيث كانت امي وقريتي يختلفان ، فالشمس في قريتي كانت تضئ اكثر على حيطان البيوت فكنا نرى الاشياء بوضوح ، والمطر كان غزير والخير كان وفير ،وبرد الشتاء القارص انذاك كانت تعالجه امي بموقد من حطب وحكاية الغوله التي اكتشفت فيما بعد انها خرافة كالعنقاء والخل الوفي .
كانت القريه عائله واحده اذا اسعف احد الى مستشفى يكون حدث جلل ويلحق به كل من استطاع الى ذلك سبيلا ، لاينقص عليك سكر او ملح فصحنك تمده خماصا الى جيرانك يعود بطانا بالسكر او بالملح، فأكثر مشترياتهم كان السكر والقهوة والشاي وهي متطلب اجباري في كل بيت حيث كانت تعاليل الرجال الذين ارهقهم نهارهم بالحراث او الحصيد لاتنقطع.
الدجاج البلدي ، اللبن ومنتجاته لاتخلو من كل البيوت وخبز الشراك متوفر في اي وقت ، فإذا رايت الصغار يطاردون ديكا فاعلم ان في ذلك البيت ضيف مهم وهذه وشايه لمنسف او صاجيه ويحدد ذلك مدة مكوث الضيف.
الكل مشغول برزقه وبأرضه ومن لا أرض له يضمن ارضا والقسمه الثلث او الربع، فالارض كانت كثيره والخير كان وفير .
لا فواتير كهرباء ولا ماء بفواتير ، وهناك في الصباح الباكر تقف امي لتملأ الماء من العيون القريبه وتملأ رحلها قبل ان يحوس الطين صافيها.
هناك في كل بيت ترى مجموعه من الشنط المدرسيه التي لايعمل سحابها بشكل جيد وهي تشبه كل شيئ الا الشنط المدرسيه حيث يكون عليها اثار من الطحين لجلوسنا باكرا بالقرب من امهاتنا وهي تخبز يوميا لتناول الفطور بالخبز الخامر والذي يكون بالغالب ( رايب ، وشاي، واحيانا زبده او سمن بلدي) ثم يلف لنا رغيف بالزبدة والسكر ويوضع بالحقيبة دون تغليف.
نساعد بعضنا البعض على حمل الحقائب المدرسيه وعند وضع الحقيبة على الظهر ترجع خطوتين للوراء من زيادة الحموله ثم تنطلق في رحلة طويله كالهنود الحمر ، مسبلين الشعر من الامام ومبلل وغير ممشط او واصله ماء من الخلف كلنا نشبه بعض لم نكن نهتم بهذه التفاصيل فمرآتنا هي عيون امهاتنا فاذا مشطت شعرك وابتسمت فانك ترى نفسك اجمل انسان في الكون فليس لديها الوقت صباحا لان تهتم بجميع تفاصيلك فهي منشغله جدا وبرنامجها ملئ ، فهي تعمل اكثر من عمل في نفس الوقت فهي تمشط شعرك وتبحث في عيونها عن (فردة) بوت لاخيك ، وتجدها تخبز وتفطر في نفس الوقت .
فالبرنامج الصباحي لها بدأ باكرا على صوت في الرابعه فجرا (قومي راح النهار)فتجهيز الزوج صباحا اصعب عليها من تجهيز جيش لغزوه ، حيث تفطر الزوج والدجاج، وتساعده بتجهيز البذار (السرحه) وتحضر زواده طعام وهي بالغالب ( خبز عدد ماشئت ، وبندوره وخيار ورأس بصل لا اعلم لماذا وصره من الملح صغيره وصرر من الشاي والسكر ) ومطرة ماء ملفوفه بخيش وهي عادة تكون قلن زيت اعيد استعماله او قلن غيار زيت لاليه ثقيله لا اعلم من اين كانو ياتون بها.ثم ينطلق راكبا او ماشيا وحسب الحموله التي كانت معه.ساعيا وراء رزقه متوكل على الله يبذر الارض قبل الشتاء ومتيقن كل اليقين انها ستمطر ثقته بالله كثقة الطير الذي بات على الغصن لايفكر في قوت غد، تاركا جيشا اخر خلفه من النيام ستقوم الزوجه بتجهيزه ابتداءا من الصحيان إلى الانطلاق الى المدرسة الغريب كانت تعمل كل هذا وهي صامته وعلامات الرضى باديه على وجهها وكأنها تجهز فرسانا لحرب او عرسانا لزفه، وكأن لسان حالها يقول سيطوى هذا الزمن سريعا وسيكبرون واراهم وقد اكملو تعليمهم وفي وظائفهم وكأن الزمن الذي كانت تنتظره غد او بعد غد ، والحق معها لأن الوقت كان بالنسبة لها يمر مسرعا من برنامجها الملئ بالاشغال الشاقه فالليل يمر كلمح البصر فهي تنام متعبه والنهار مسرعا وهي تستقبل الافواج الجائعه ، فالغداء جاهز ( باميه وبندوره ، فاصولياء خضرا وبندور ، او بيض وبندوره او اي شي وبندوره، مع صحن الرايب ، وحسب الموسم شتاءا او صيفا ) لا يوجد مع الاكل كولا او عصائر ، من اشياء اليوم واذكر انني اول مره شربت فيها ميرندا كدت اختنق لانني شربت كميه كبيره مره واحده وفارت في فمي فخرجت من انفي ولن انسى تلك اللحظه والحمد لله ثم الحمد لله انه لم يكن ببسي فلو كان كذلك لما كنت كتبت لكم .
بعد الغداء لا قيلولة في قواميسنا نلحق الحرّاث ، او الحلال المهم نلحق اي اشي ونخرج من البيت ، فيأتي مغربنا مسرعا لنعود مع دجات امي الى البيت.
لا نعرف كيف نمنا ومن غطانا ومن صفّطنا جنب الى جنب كورق الدوالي في منامٍ واحد .