لستُ غريبًا عن المدينة الأردنية الفحيص ، ولا عن عائلة سماوي التي هي من أعرق الأسر الفحيصية ، حيث الكرم والثقافة والمكانة الاجتماعية ، والعلم ، وأنا أرتاحُ كثيرًا عندما أكونُ في الفحيص ولا أشعرُ أبدًا بأي غربةٍ عن المكان والناس ، وهي مدينةٌ زارها الكثيرون من الشعراء الأجانب والعرب مثل أدونيس ومحمود درويش وسعدي يوسف ، والفنانون التشكيليون ، أي أنها مدينة يقصدها أهل الحرْف واللون بشكل أساسيٍّ .
وهي مدينة قروية صغيرة تتشارك مع ماحص في لواء وتقع في محافظة البلقاء ، تتوسَّطُ مدينتي عمَّان والسَّلط ، وتبعد عن المدينتين نحو ثلاثة عشر كيلو مترًا ، وترتفع نحو ألف متر عن سطح البحر ، مما جعلها مصيفًا ، حيث الهدوء والرقي التاريخي الذي يعود إلى العصر الحديدي ، والعصر البيزنطي ، ومن بعدهما العصرين الأيوبي والمملوكي .
وقد ارتبطتُ في هذه المدينة بعائلاتٍ ، كان في مقدمتها عائلة سماوي ، حيث صديق العُمر الشَّاعر الراحل جريس سماوي وزير الثقافة الأردني الأسبق والمدير الأسبق لمهرجان جرش للثقافة والفنون ، وصديقي الذي أحبُّه وأحترمُه كثيرًا أيمن سماوي ابن عم جريس ، ومدير مهرجان الفحيص الدولي للثقافة والفنون ، الذي استطاع بفكره وذكائه وتوقُّده أن ينقله من المحليةِ الجهوية الأردنية إلى مكانةٍ عربيةٍ ودوليةٍ بفضل اجتهاده ودعم أهل الفحيص .
أنا منحازٌ لأيمن سماوي ، ليس لأنه أخي وصديقي ؛ ولكن لأنه أهلُ كفاءةٍ وقُدرةٍ على الابتكار والخلْق في مجاله ، ولو لم يكن حاسمًا وصارمًا ، وهادئًا ومقتدرًا في الإدارة والتنظيم ما اختاره أحدٌ ليكونَ مديرًا لمهرجان جرش للثقافة والفنون ، فهو دائمًا ما يكونُ لديه تصوراتٌ عميقةٌ للتطوير والتغيير والتحسين ، إذْ هو رجلُ ميدانٍ ، وليس رجلَ مكتبٍ ، يعملُ في الغُرفِ المغلقة . فأيمن سماوي يتسمُ بالمصداقية والصراحة ، والمكاشفة في التعامل ، وإذا وعد أوفى بالوعد ونفَّذ .
وفي رحلةٍ قصيرةٍ إلى عمَّان – تعدُّ هي الأقصر في علاقتي بالسفر ، فأنا لا أحبُّ السَّفرَ القصيرَ حتى لو كنتُ مضطرًا – شاركتُ خلالها في مهرجان جرش شاعرًا ، ومتحدِّثا في الافتتاح عن صديقي جريس سماوي مع الشاعرين د. حسن نجمي ، زاهي وهبي ، والكاتبة بسمة النسور وزيرة الثقافة الأسبق ، وأدار الجلسة المبدع هزَّاع البراري الأمين العام لوزارة الثقافة الأردنية ، الذي حملت دورة مهرجان جرش هذا العام 2021 ميلادي اسمه استذكارًا وتكريمًا لمسيرته .
زرتُ أيمن سماوي في مكتبه وكنتُ طوال الطريق أستذكرُ جريس سماوي ، فهي المرة الأولى لي التي آتي إلى الأردن ولا أرى وجه جريس فيها ، لكنهُ كان حاضرًا معي بقوة طوال الوقت .
كنتُ رأيتُ أيمن سماوي في القاهرة ، وقبلها مرات في الفحيص ، وأعرف عنه أدبه وطيبته واحترامه لذاته وبلده ، فهو رجلٌ ذكيٌّ ولمَّاحٌ ، وناجحٌ في إدارة البشر قبل الكيانات الثقافية والفنية ، وهو محبُوبٌ من الجميع ، وهذا أمرٌ صعبٌ في بلادنا ، فنحن إذا رأينا إنسانًا ناجحًا رميناه ، وأهَلْنا عليه ترابنا ، ووصفناه بما ليس به .
وفي لقائي الأخير به – والذي استمر ساعتين – استقبل خلالها – سريعًا – عددًا من الذين يعملون معه ، رأيتُ تعامله الإنسانيَّ المُتحضِّرَ ، كما رأيت سرعته الفائقة في الإنجاز ، حيث لم أر تسويفًا أو تأجيلًا ،أو مراوغةً ، وما أن عدتُ إلى البيت في القاهرة ، وارتحتُ قليلا ، قرأتُ إقالة السيد أيمن سماوي من منصبه مديرًا لمهرجان جرش للثقافة والفنون ، لأسبابٍ وحُججٍ واهيةٍ ، تتعلق بصحة الجماهير التي حضرت إلى حفلات المهرجان ، وخوف المسؤولين عليها من جائحة فيروس كورونا .
سيظل أيمن سماوي في نظري ونظر أهل بلده الأردن رجلا يعرفُ كيف يقودُ فريقَ عملٍ بنجاحٍ لا يماثله نجاحٌ في مكانٍ آخر ، وقد تابعتُ مئات المتابعات التي أصابتها الدهشةُ الممزوجةُ بالألم والتفجُّع لغياب أيمن سماوي عن مهرجان جرش الذي كان ناجحًا ومنظَّمًا بشكلٍ كبيرٍ هذه الدورة ، حتى أنك يمكنُ أن تقول بهدوء إن نسبة الأخطاء كانت صفرًا ZERO MISTAKES ، وإن كانت هناك ” أخطاء” فهي تعودُ إلى وجهة نظر بعض الجهات التي شاركتِ المهرجانَ فعالياته ، وليس المهرجانُ مسؤولًا عنها .