نيروز الإخبارية : يروي سمير (44) عاما تفاصيل حكايته مع «الاكتئاب المزمن» ومعاناته بشكل مفاجئ مع المرض، حيث اصبح دائم الحزن والضيق والعزلة.
ووصلت مصاعبه الى العمل، حيث بدأ زملاؤه يشتكون من تصرفاته وانفعالاته وعصبيته غير المبررة، فاضطر لتقديم استقالته دون تخطيط مسبق.
ويتابع سمير: انعكست تصرفاتي على حياتي الأسرية وأوشكت على اتخاذ قرار بالانفصال عن زوجتي، حتى انني حاولت الانتحار اكثر من مرة.
وبدأت اسرته تحثه على مراجعة العيادة النفسية، لكنه لم يتقبل الفكرة في البداية تخوفا من نظرة المجتمع له، إلا انه قرر الذهاب لزيارة الطبيب بشكل سري، اذ تم تشخيص حالته «بالاكتئاب المزمن»، وتلقى العلاج عبر جلسات منتظمة بالاضافة لالتزامه بالادوية حتى عاد لسلوكه الطبيعي.
وتقول الاربعينية «سارة» -اسم مستعار- انها كانت تعاني من حالة «دياريا» لفترة طويلة، اذ انها راجعت عدة عيادات طبية، وقامت باجراء الكثير من الفحوصات وفي كل مرة يكون التشخيص انها بصحة جسدية جيدة ولا يوجد أي شيء تعاني منه، مما دفعها للذهاب الى «المشعوذين»، واخبرها احدهم انها مسحورة واعطاها «علاج» لكن لم تستجب له، الى ان اقترحت عليها اسرتها الذهاب الى العيادة النفسية، وهو ما فعلته وهناك تم إعطاؤها العلاجات المناسبة، ولم يمض سوى اسبوعين حتى شُفيت تماما.
وهناك الكثير من الاشخاص الذين يوقنون ان مشكلتهم نفسية الا انهم يتخوفون من زيارة العيادة النفسية، بسبب الوصمة السلبية التي ستلحق بالمريض وعائلته.
وتتأثر سلوكيات الانسان بما يقع على عقله من مؤثرات خارجية، لذا يتحتم عليه التعايش مع ظروف الحياة القاسية بطرق علمية مدروسة، دون الحاق الضرر بصحته النفسية، فأشار تقرير الاحصاء الجنائي لعام 2020 الصادر عن ادراة المعلومات الجنائية الى ارتفاع حالات الانتحار، حيث وصلت الى 169 حالة وبنسبة ارتفاع بلغت 45.7% مقارنة بحالات الانتحار للعام 2019.
وتقول اخصائية علم النفس الدكتورة فداء ابو الخير: ان «الصحة النفسية» تعرف حسب منظمة الصحة العالمية، أنها جزء لا يتجزأ من الصحة الجسدية والصحة بشكل عام، وهي حالة من الكمال البدني والنفسي.
واضافت: الصحة النفسية ليست مجرد الخلو من المرض او العجز، بل يجب ان تكون حالة من الانتاجية والفعالية المثمرة للفرد في المجتمع، والقدرة على تجاوز الضغوطات والتعامل معها بطريقة سليمة.
ورداً على سؤال عن الأسباب التي أدت الى ضعف الوعي في ثقافة الصحة النفسية، بينت ابو الخير ان اهم الاسباب هو الموروث الثقافي واللاوعي الذي يحتوي مخزونا سلبيا عن الطب النفسي.
وبينت ان تكلفة الجلسات المرتفعة والتي تتجاوز في بعض العيادات الخمسين دينارا تعمل على تقليل الاقبال على مراجعة العيادات النفسية، لذا يوجد مطالب ان تكون الجلسات في العيادات النفسية مغطاة بالتأمين الصحي بالقطاع الخاص وزيادة عدد الكوادر في القطاع الحكومي.
من جانبه، اكد مستشار العلاج النفسي والاضطرابات الانفعالية الدكتور عبدالله الرعود، ان 25 بالمئة من المواطنين يعانون من اضطرابات نفسية بمستويات مختلفة، ما يؤدي الى زيادة نسبة انتحار المريض او قيامه بسلوك اجرامي لعدم المعالجة بالوقت المناسب.
وعرف الرعود الطب النفسي انه فرع من فروع الطب التي تهتم بتشخيص وعلاج الأمراض العقلية، والاضطرابات النفسية والسلوك العام بشكل دقيق ومتخصص، ويعمل على العلاج والوقاية من الامراض النفسية، وعلاج حالات الادمان، واضطراب طيف التوحد.
ويوضح الرعود ان الطريقة المثلى لنشر الوعي الثقافي للصحة النفسية في المجتمع تتم من خلال وزارة الصحة بتثقيف المجتمع عن طريق برامج ومحاضرات وندوات لدور الطب النفسي في تخفيف المعاناة من الامراض النفسية.
ولفت الى اهمية دور وزارة التربية والتعليم في اعطاء محاضرات من خلال المرشدين النفسيين الموجودين في المدارس، وتضمين الكتب المدرسية دروسا عن اهمية الصحة النفسية، حاثا العيادات النفسية نفسها بإقامة ايام توعوية وعلمية.
واشار الى الدور الكبير الذي يمكن ان تؤديه دور العبادة للتثقيف حول المرض النفسي، والتوعية بعدم سلوك طريق «المشعوذين» للخلاص من الامراض النفسية، مؤكدا اهمية الإعلام في نشر الوعي عن الطب النفسي وضرورته.