نحتفل في أوائل شباط من كل عام بالأسبوع العالمي للوئام بين الأديان. وهذا الأسبوع الذي تبنَّتهُ الجمعية العامة للأمم المتحدة في العالم 2010 للإحتفال بالوئام الديني هو مبادرة ملكية أردنية أطلقها حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم كمباردة ورؤية على صعيد العالم أجمع بضرورة أن يكون هناك حالة من الوئام بين أتباع جميع الأديان، لما ذلك من تأثير مباشر على الأمن والإستقرار العالمي وعلى حالة التقدم والإزدهار الذي تسعى البشرية إليه، فالتاريخ يشهد أن الحروب ذات الأبعاد الدينية أكثر وطأة وأشد فتكاً وتحصد معها الأخضر واليابس، وقادرة على تجييش الناس نحو الحروب ونحو الدمار ونحو خطاب الكراهية ونحو التعصب الأعمى الذي يجد في الآخر فريسة للإنقضاض عليه وسحقه وتدمير إرثه التاريخي والحضاري والإنساني والثقافي الذي هو ملك للبشرية جمعاء.
إن إعتماد هذه المبادرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ما هو إلا مؤشر على المكانة المرموقة التي يتحلى بها صاحب الجلالة الهاشمية، وإلى الدور الهام الذي يقوم به الأردن في تعزيز مفهوم الوئام الديني بين أتباع الأديان. فالمشكلة ليست أبداً مع الأديان، بل مع أتباع الأديان ومع الطريقة التي يتعاطون فيها مع النصوص الدينية ونظرتهم للعالم وللآخر. فمع الأهمية الكبرى للدين في حياة الإنسان في الإقتراب من خالقه والسجود له إلا أنه أيضاً ضرورة أخلاقية وقيمية تعلِّي من قيمة الحياة الإنسانية ومبادئها السامية في الحب والوئام والمصالحة والسلام في عالمنا غير المعصوم عن الخطأ وعن ارتكاب المعاصي والذنوب والإساءة للآخر.
لذلك تأتي أهمية هذا الأسبوع العالمي الذي إنطلق من فكر ورؤية صاحب الجلالة المعظم، ليكون مدعاةً لرجال الدين وللمفكرين اللاهوتيين والشرعيين بترجمة جوهر الدين وتعاليمه السامية في المحبة والوئام وقبول الآخر إلى تعاليم وممارسات عملية على أرض الواقع، ففي ذلك ضرورة عالمية في عالم تعددت فيه الأعراق والإجناس والأديان وأصبح من الضرورة تعلُّمِ فنِّ قبول الآخر والتعايش معه في البيت الإنساني الواحد الذي يجمعنا كأبناء لآبٍ سماوي واحد مهما اختلف عنا بالفكر أو الإيمان أو العقيدة أو التوجه الفكري أو الفلسفي.
وفي الأردن نُعبِّرُ عن إعتزازنَا وفخرنا بهذا الأسبوع الذي شكَّلَ بصمةً فارقةً في عالم الإنسانية والوئام الديني. وعلى الصعيد المحلي نرى الوئام الديني وقد تجسَّد بأبهى صوره في مجتمعنا الأردني الكريم الذي يعيش الناس فيه من غير تصنّع أو مجاملة تجاه بعضهم البعض كاسرة أردنية واحدة، وكما ذكر يوماً دولة الدكتور معروف البخيت بأنه ليس عندنا في الأردن غيتوهات دينية بل يحيا الجميع بهويتهم الأردنية الوطنية، مسلمين ومسيحيين، تحت ظلال الراية الهاشمية المظفّرة. فكنائسنا ملاصقة لجوامعنا، وصوت الآذان يطرب لصوت أجراس الكنائس، وكلّها دور عبادة يذكر فيها اسم الله تعالى كثيراً، وعاداتنا وتقاليدنا وموروثنا الثقافي يعكس أصالة الحياة التي نحياها معا كأردنيين لا فرق بيننا إلا بمقدار إنتمائنا وولائنا.
وأخيراً نَكبُرُ بما فعله في ثلجة الأسبوع الماضي السيد يزن باسيل حدادين من سكان طريق المطار مع جاره الشيخ أحمد الكفاوين إمام جامع خلدا الكبير، بأن قام بتوصيله بمركبته رباعية الدفع إلى مسجده من أجل إقامة صلاة الجمعة، منتظراً إياه لحين إنتهاء فترة الصلاة ومن ثم إرجاعه إلى منزله. ربما هذه حادثة قد يراها البعض بسيطة، لكنها تعكس أصالة مجتمعنا الأردني الذي تربَّى على حب الجار وحب القريب لأنه ليس الآخر بل الأخ (بإسقاط الراء من أخر الكلمة).