لله درك يا ريان، مغربي الجنسية، عربي الهوى والهوية، ساعات تدمي القلوب، وتلهب المشاعر والأفكار، لكنها ساعات تُعلي النفوس وتغسل العار، والأنظار متوجهة اليك وقد هزمت فينا الذل والانكسار، وأعدت لنا بعض الأمل في أن الأمة ما زالت ريّانة العود، وما زالت تنبض بالحياة، وانت الطفل الذي وضع الدواء مواضع العلل.
حقا مخطئ من يظن أن أمّة العرب ستموت يوما، مخطئ من تنبأ جادا لا عاتبا أن العرب أمّة ستضحك من جهلها الأمم، فحربها يا نزار ليست اشاعة، وسيفها ليس خشبا ولا شمّاعة، ووعدها صدق، وعشقها مهابة، لا يجيد قراءة التاريخ من يعتقد أن أمة العرب أمّة بلا هوية، والله ما عرفت أمة النهوض بعد السقوط أكثر من أمة العرب، وإن نهضت ووقفت على قدميها حلّقت حتى تهرب من خوفها الأمم.
العربي قد لا يكون معك وقت الرخاء، وقد تشغله الدنيا عنك، لكنه تجده شجاعا قويا كريما وقت الشدة، وعندما تبدأ السقوط فإنه يراقبك عن بعد، وفي لحظة معينة يقرر أن يفتديك بنفسه، عندها لا يهمه حر الشمس ولا برد الشتاء، ولا الموت ولا يولّيك دبره، ولن تقف في وجهه قوة، وهذه من محاسن وصفات أمّة العرب التي تنفرد بها عن غيرها من الأمم، الأمة التي تذبل وتنام ولا تموت.
ما الذي دفع بالأمهات في بلاد العرب المقهورة، والجريحة، والمكسورة، وحتى الميسورة منها، وما الذي دفع بالثكالى والمكلومات، واللواتي تجمدن بردا في مخيمات اللاجئين، أن تبقى أنظارهن معلقة متحولة، واذهانهن مشوشة منشغلة في طفل سقط في بئر مهجور في اقصى المغرب العربي وهنّ يرقبن بحزن وألم لحظة خروجه حيّا، ويرفعن الأيادي إلى السماء وكلهن رجاء وأمل أن يخرج ويعود سالما لأمه وأهله.
الذي دفع الامهات وكل المواطنين العرب إلى ترقب أخبار ذلك الطفل إنه الظّفر العربي الذي لا يخرج من اللحم، والدم العربي الذي لا يتحوّل إلى ماء، إنه الجسد العربي الواحد والذي سيبقى واحدا رغم أنوف الأعداء، ورغم ما أصابنا من وهن وضعف وذل، وسيأتي الزمن حتما لا محال الذي فيه سيرفع العربي رأسه عاليا من جديد، وتنحني له الهامات ذلا وانكسارا ومهابة.
أقوى انتصارات الأمة جاءت بعد انكسارات، وافضل اجتماعاتها جاء بعد شتات، وما حلّت بأمة العرب المصائب إلا زادتهم قوة وصلابة، إنه الدم العربي الذي يتفجر وقت الشدة بغزارة، لكن السياسة فرّقتهم، ولجهلهم بدينهم ذلّوا، وحكّام المال وحُكم اللصوص، وعبدة الطاغوت والشهوات من العملاء والمارقين هم من دنّسوا كرامتها، وتركوا للزناة فض بكارتها، وهي العفيفة التي تباهي الأمم بطهارتها.
أمة العرب سيعود لها عزها وجاهها ومكانتها عندما تتحرر من خوفها وهزيمتها، وعندما تتوقف عن الهتاف بالروح لجلادها، وحينما تتوقف عن حماية ذبّاحها، وعندما تتوقف عن حب قاتلها.