قرار تعريب قيادة الجيش قرار وطني اتخذه جلالة المغفور له الملك الحسين بكل شجاعة وحكمة وقوة بصيرة، قيادة هاشمية حملت مسؤوليتها التاريخية لعزة أمتها وامتلاك قرارها السيادي، معلنةً ولادة مستقبل واعد وغدٍ مشرق، وجعلت من الجيش العربي قوة منذورة للوطن والأمة.
فقد جاء هذا القرار خطوة مباركة أعادت للأمة هيبتها وكرامتها، وأشعلت للجيش العربي طريق المستقبل الواعد بالخير والعطاء.
الأول من آذار يوم استثنائي من أيام الوطن، عابق بالمجد والسرور، فيه تحملنا ذاكرة الوطن إلى عقود مضت، أضيئت بنور هاشمي عنوانها تطور الجيش العربي، حيث تتزامن لهذا العام، مع دخول الوطن المئوية بخطوات ثابتة نحو المستقبل.
كان الأول من آذار لعام 1956 مرحلة تاريخية هامة في تاريخ هذا الجيش، ففي ذلك اليوم اتخذ جلالة الملك الحسين بن طلال - طيب اللّه ثراه - قراره القومي والتاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي، حيث دوّى صوت الحسين بنبراته القوية المعتادة، ليضيف صفحة ناصعة للتاريخ الأردني العابق بالكرامة والحرية حينما أقدم جلالة المغفور له الملك الحسين –طيب الله ثراه- على اتخاذ هذا القرار الوطني الجريء بإعفاء الجنرال كلوب من منصبه، وتعيين ضابط أردني قائداً للجيش، ليكون جيشًا عربيًا هاشميًا ممزوجًا بعروبته وأمجاده التي يستحق.
لقد نبع هذا القرار بخطواته الجريئة من قيادة ذات بصيرة واستشراف لمستقبل يجعل مصلحة الأردن أولًا.
جاء قرار جلالته في وهو في ريعان شبابه، حيث لم تمض سوى فترة قصيرة على تسلم جلالته سلطاته الدستورية، ليكون القرار تجسيدًا حيًا للتطلعات الكبيرة التي كانت تجول في عقل الملك الشاب كما هو ديدن الهاشميين، ليمنحه العزم والقرار الحر القوةَ على استكمال تحرير الإرادة الوطنية بالتخلص النهائي من هيمنة الأجنبي ونفوذه، الأمر الذي جعل من هذا القرار بداية واعدة لسلسلة طويلة من التطورات الوطنية بكافة المجالات التي تشكل في مجملها الملامح الأساسية لمسيرة الأردن وطموحاتة القومية.
كان قرار تعريب قيادة الجيش منسجمًا وملبيًا لطموحات وإرادة الأردنيين، والذي كان يدور في خلد جلالته رحمه اللّه منذ كان على مقاعد الدراسة في كلية ساند هيرست، أن الجيش العربي تحت قيادة غير عربية سيبقى دون طموحات قيادته العليا التي تريده أن يؤدي دوره في حماية الوطن وتأهيل ضبّاطه وتحقيق أهدافه التي وجد من أجلها، وصون ممتلكاته، حفظًا لتاريخ الأمة المقدس وترابه الوطني.
يقول جلالة المغفور له عن تلك الخطوة:"لقد كنت مصممًا على إنشاء جيش قوي متوازن يدعمه غطاء جوي هام، وقد كان تحقيق ذلك مستحيلًا، ما دام كلوب بيننا، فكان علي إذًا أن أنفصل عنه بعدما وصلت علاقاتي في مطلع عام 1956 بكلوب إلى نقطة اللاعودة"، فكان الحديث عن استبداله هاجسًا متكررًا في فكر جلالته، حيث اتُّخذ القرار دون علم أي من المقربين إليه، وقد ذكر أسباب قيامه باتخاذ هذا القرار وإصراره على تنفيذه فورًا حيث قال:" يجهل الرأي العام عمومًا أن عزل كلوب كان قضية أردنية تمامًا، لقد كان السبب الرئيسي في عزله يقوم على عدم التفاهم بيننا، وعلى خلافنا حول مسألتين جوهريتين هما: دور الضباط العرب في جيشنا، وإستراتيجيتنا الدفاعية فأحد واجباتي كملك هو تحقيق الأمن لشعبي وبلادي، ولو لم أقم باستبداله لما كنت قد مارست أعباء مسؤولياتي".
إن دور الهاشميين التاريخي يحتم عليهم بقوة الأخذ بالأسباب التي تجعل من الأردن على مستوى الطموح بوضع الأمور على مسارها الصحيح، فنفذ في الأول من آذار عام 1956 قراره القومي بتعريب قيادة الجيش العربي، وتحريره من قيادته الأجنبية، بحيث ليكون الوضع السياسي الجديد الذي أوجده يمكّن الجيش من حمل بالمسؤولية والإحساس بالكبرياء، وتعيَّن ضباط أردنيون في جميع المراكز القيادية.
بهذه المناسبة نرفع أصدق عبارات التهنئة إلى جلالة قائدنا المفدى، وإلى ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبداللّه ، سائلين المولى عز وجل أن يبارك في جيشنا وأجهزتنا الأمنية، وأن يحفظ بلدنا ومليكنا وشعبنا النبيل.