يشهد العالم الحالي تحولا رقميا من خلال استخدام التكنولوجيا التي أثرت على طبيعة الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الحديثة، ولم تأتي التكنولوجيا الحديثة من العدم بل لتراكمات ثقافة الإنسان من خلال تعايشه مع البيئة المحيطة به، وسعيه المستمر لاستغلال عناصر البيئة لكي يطور من أسلوب الحياة التي يعيشها للأفضل، وتطور الأفكار والسلوكيات لديه بشكل تراكمي بداً من استخدام المعول لفلاحة الأرض وزراعتها والاستفادة منها وحفر بيوتاً في الصخر للعيش فيها، واستخدام الحيوانات كوسيلة للمواصلات، ثم التحول من العمل اليدوي الكامل إلى اختراع الآلة في عصر الثورة الصناعية، ثم عصر انفجار الثورة المعرفية الرقمية منذ بداية اختراع الحاسب الآلي وتطويره والاستفادة من مزاياه الذي أثر في تنمية وانتشار الثقافة الرقمية التي تساعد على تنمية المهارات والمعارف والخبرات التكنولوجية التي تختص باستخدام الوسائل التقنية الحديثة في معظم مجالات الحياة، وهذه الثقافة تختلف من شخص لآخر حسب طبيعة الشخص والبيئة التي يعيش فيها ومدى الحاجة لامتلاك الثقافة الرقمية، وظهر ما يسمى بالفجوة الثقافية الرقمية بين المجتمعات وعلى مستوى الدول فأصبحت هناك دول متقدمة تكنولوجياً ودول أقل تقدما، وتقاس الفجوة الثقافية الرقمية بين الدول بمدى امتلاك هذه الدول إلى أدوات التكنولوجيا ومعارفها وبرامجها والقدرة على تطويرها وتنميتها والتكيف معها بشكل يساهم في جني ثمار ايجابيات التكنولوجيا، والاستفادة منها بالشكل الأمثل وتصديرها إلى الدول التي تحتاجها لرفد دخلها القومي بمصادر دخل أضافية.
لقد أصبحت الثقافة الرقمية المجتمعية سمت العصر الحالي، والمحرك الرئيس لتفاعل الإنسان مع البيئة المادية والفكرية والبشرية المحيطة به، وصلة الوصل بين الأفراد والمجتمعات وباتت الثقافة الرقمية ضرورية لكافة فئات المجتمع لأنها تؤثر وتتأثر في كثيرا من العادات والتقاليد وثقافة المجتمع حيث ساهمت في التغير بأساليب تنمية القيم واكتسابها وتحولها من الجماعية إلى الفردية، ولا يستطيع الفرد الاستغناء عن الثقافة التكنولوجية الرقمية في معظم علاقاته الاجتماعية والعملية، ومن خصائص الثقافة الرقمية التجدد والتطور وسرعة التغير باستمرار ضمن قفزات معرفية نوعية تقنية حيث برزت الحاجة إلى الاهتمام بالثقافة الرقمية ونشر الوعي التقني للاستخدام الأفضل لهذه التقنية بما يخدم المجتمعات بكفاءة وفاعلية متميزة، وأدى استخدام التكنولوجيا إلى ظهور بعض الأساليب الجديدة لأنماط الحياة يحكمها العالم الافتراضي بدون محددات أو قيود، وأضحت المعلومات متاحة ومتوفرة للجميع وعن الجميع بسرعة ويسر وسهولة.
تعتبر الثقافة الرقمية في الوقت الراهن ثقافة الجميع وتجاوزت حدود الزمان والمكان حيث وصف العصر الحالي بالعصر الرقمي، بفعل استخدام التكنولوجيا وشكلت المعرفة مصدر للتنمية وزيادة دخل المجتمعات فلا بد من التعاطي مع هذه الثقافة الرقمية بشيء من الايجابية بحيث يتم تثقيف الأسرة وطلاب المدارس والجامعات وجميع أفراد المجتمع كبارا وصغارا حول كيفية التعاطي مع التكنولوجيا والاستفادة منها، وكذلك إدخال مادة علمية في المناهج الدراسية التي تدرس في المدارس والجامعات تعنى بالثقافة الرقمية بكل إبعادها لما لها من فوائد بتثقيف المجتمع بأهمية الثقافة الرقمية ومعرفة طرق التعاطي مع الوسائل التكنولوجية، واستخدامها بطرق صحيحة حيث تقاس قوة الشعوب هذه الأيام بما تمتلك من المعرفة والتكنولوجيا والتحكم بها فهنا لا بد من تضافر جهود الجميع لنشر هذه الثقافة على أوسع نطاق، وتهيئة البيئة الحاضنة والمحفزة للجميع لامتلاكها وتشجيع ودعم المختصين والمبدعين في مجال التكنولوجيا الرقمية لتطويرها والاستفادة منها عن طريق خلق المعرفة واكتسابها والاحتفاظ بها وتطويرها للمساهمة في الثقافة الرقمية بحيث نصبح مشاركين في تعزيز دور الثقافة الرقمية على المستوى الوطني أو على مستوى مجتمع المعرفة الرقمية لا متلقين فقط، بل نصل إلى المشاركة في مجتمع المعرفة الرقمية العالمي، والتأثير فيه وبالتالي امتلاك المعرفة والتحكم بها وتصديرها بشكل يسهم في قوة الدخل القومي، ويكون لنا بصمة معرفة في البناء المعرفي الإنساني فالاستثمار في الأفكار وتطويرها وخاصة الخلاقة المبدعة المبتكرة بأقل المواد الأولية كلفة وحجماً ووزناً جعل بعض الشعوب والدول تكون من طليعة الدول المتقدمة تكنولوجيا واقتصادياً، فالهند مثلاً نشرت الثقافة الرقمية واستثمرت في التكنولوجيا وأصبحت من مصافي الدول التي وطنت الأفكار التكنولوجية في بيئتها وحولتها من استثمارات دخيلة على بلدها إلى منتج ودخل قومي للبلاد خلق فرص عمل للمواطنين واحد روافد الدخل القومي الهندي.