لا يكاد عالمنا يخلص من أزمة إلا ودخل بأزمة أخرى أكبر وأشد فتكا. وذاكرتنا البشرية قصيرة الأمد لدرجة أنَّ الأزمات المتلاحقة تنسينا السابقة، فنترحم على الأزمات السابقة على أنها كانت أكثر رحمة ورأفة بنا وبعالمنا.
والمخجل بكثير من الأزمات أنها من إفتعال عالمنا وليست أزمات طبيعية، وهي ناتجة عن صراعات على النفوذ والسيطرة وعلى المصادر الطبيعية التي تزخر بها كثير من بلدان العالم التي ما زالت ترزح تحت إحتلالات بمفاهيم جديدة بعيدة عن الإحتلالات العسكرية إلى أخرى تجرّدها من قراراتها الذاتية وتجعلها عقيمة بل وعاجزة عن القيام بإتخاذ القرارت الصائبة للنهوض ببلدانها التي تتولى شؤون النهوض بها وتوفير مقومات الحياة الكريمة لمواطنيها الذين يقدِّسون ترابها ولا يجدون مكانا في الدنيا أفضل منها، والتي لأجلها يبذولون الدماء رخيصة لتنبت من تحت ترابها شجرة الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية.
إن الأزمة العالمية الجديدة- المسماة بالأزمة الروسية الأوكرانية- مع أنها ليست كذلك، والتي يدفع ثمنها الملايين من الأوكرانيين الذي هُجِّرَ منهم لغاية الآن إلى دول الجوار مليون وربع المليون نسمة ويتعرض الكثيرون منهم لفقدان حياتهم جراء الحرب الدائرة الآن على الأراضي الأوكرانية، تماماً كما تعرضت شعوب كثيرة من العالم للمأسي والتشريد والتهجير والمعاناة على مدار عشرات السنين ومنهم الشعب الفلسطيني المتمسك بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي لم تُبدِّل ولم تغيّر ساكناً. فمن أبرز ما عرّته الأزمة الحالية هو إزدواجية المعايير العالمية التي تُعتبر أزمة أخلاقية خطيرة في القرن الحادي والعشرين الذي من المفترض أن تكون الحضارة الإنسانية قد وصلت فيه أوج تقدمها وتراكم إنجازاتها في كافة مناحي الحياة.
وليس ذلك فحسب فإزداوجية المعايير متفشية داخل الكثير من المؤسسات والهيئات التي تفتقد للشفافية، بتاقضٍ فاضح مع أبسط معايير حقوق الإنسان والعدالة والمساواة. ولا يمكن أن تعالج هذه المعضلة على المستوى الدولي والمجتمعات المحلية ما لم يكن للقانون سيادة نافذة تَسري على الجميع دون تمييز بعدالة ومساواة، وكذلك وجود مرجعية وازنة مقتدرة أن تقيم العدل والمساواة دون محاباة، فالجميع بالمفهوم الإلهي سواسية كأسنان المشط ولهم الحق أن يَحَيوا بكرامة وعدالة ومساواة.