التاريخ العسكري هو السجلّ الحقيقيّ لحياةِ الأممِ والشعوبِ ، الشاهد الأكيد على أحقيتها في الحياةِ ، والدليلُ القاطعُ على حجم التضحياتِ ، المعطرة بدماء أكثر من ثلاثة آلاف شهيد ، قضوا على روابي فلسطين ، كان الهدفُ الإسرائيليُّ لمعركة الكرامة هو احتلال منطقة الغور ، ومرتفعات السلط المشرفة عليها ، كونها موقعٌ عسكريٌّ استراتيجيٌّ هامٌّ ،لتشكيل منطقة عازلة لحماية المستعمرات الإسرائيلية ، وتدميرُ الجيشِ العربيِّ الأردنيِّ ، والإجهاز عليه، وإفقادهِ الثقةَ بقيادتهِ ، وتدميرُ ثلاثة قواعد للفدائيين ببلدةِ الكرامة .
بدَأَ الهجوم في الساعة 0530 يوم 21/آذار/1968م على جبهةٍ واسعةٍ ، من جسر الأمير محمد في الشمال ، حتى غور الصافي في الجنوب ، احتلت قواتنا مواقع دفاعية على ضفاف النهر ، بين المزارع والحقول ، على سفوح الروابي ، وعلى قمم الجبال ، لا تَغمضُ لهم عينٌ ، في يقظةٍ وترقُّبٍ وشوقٍ للمعركة ، للثأرِ والانتقام وتضميد جراح حرب الـ67 ، صلّوا صلاةَ الفجرِ ، يحملون البندقيةَ بيدٍ والقرآنَ الكريمَ باليدِ الأخرى ،أقسموا على إحدى الحسنيين ، إما النصرُ أو الشهادةِ ، عقيدةٌ دينيةٌ وعقيدةٌ عسكريةٌ .
قائد المعركة هو الملك الراحل "الحسين بن طلال" طيّب الله ثراه ، قائداً شجاعاً حكيماً مُحنَّكاً ، مسيطراً على عقول القادة وقلوب الجنودِ ، بارعاً في استنهاض الهمم وإثارة الحماس ، ماهراً بقوّة التعبير ، وموهبة التأثير ، فكانت المفاجأة لإسرائيل بأنّ جيشنا تسامى فوق هزيمة عام الـ67 ، كان صلباً مدرّباً متماسكاً ، قاتلَ برغبةٍ وشجاعةٍ واحترافٍ وعناد وشراسة ، حتى حقَّقَ النصرَ على الجيش الذي لا يُقهر .
معركةُ الكرامةِ كانت يوماً فاصلاً ، أضاء تاريخ العربِ ، استعاد كرامتهم ومجدهم وعزّتهم، كانت مواجهةً بين القوَّةِ وقوَّةَ الإرادةِ ، انتصرت قوّة الإرادة ، وكانت ملحمةً عظيمةً ،ويومَ نصرٍ أبديٍّ ليس لهُ ثمن .
اليومَ نعيشُ في ظلالِ معركةِ الكرامةِ بقيادةِ جلالة الملك عبد الله الثاني ، أيّامنا كلها كرامة وأمن واطمئنانٌ وخيرٌ ،فأصبح الأردن قلعة الصمود العربيّ ومحور الدور الدولي ، ومفتاحُ الأمن الإقليمي، يرفع راية التحديث السياسيّ والاقتصاديّ والإداري ، يقود ثورةً بيضاء ،للارتقاء بالأردن نحو معارج العلياء وشموخ العنقاء.