تعتبر صلة الارحام من أروع الميزات الذي تفرد بها المجتمع الاسلامي عن غيره من المجتمعات، ولكن ومع التحولات الهائلة التي حدثت على العلاقات الاجتماعية بين الناس بسبب طبيعة العصر الذي نعيش فيه، والذي يتميز بأنه زمن السرعة جعل الانشغال بقضايا الحياة اليومية قيدا يحد من جريان العلاقات الحميمة بين الناس كما كانت عليه قبل بضع عشرات من السنين.
فضل عظيم
العشرينية هبة ماجد، قالت لقد أمر الله بصلة الأرحام، والبر والإحسان إليهم، فصلة الرحم واجبة فعن عائشة رَضًيَ اللَّهُ عَنْها قالت: ( قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهً وَسَلَّم :الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله اللّه، ومن قطعني قطعه الله «متفق عَلَيْهً) وقال ابن عابدين الحنفي: (صلة الرحم واجبة ولو كانت بسلام، وتحية، وهدية، ومعاونة، ومجالسة، ومكالمة، وتلطف، وإحسان، وإن كان غائباً يصلهم بالمكتوب إليهم، فإن قدر على السير كان أفضل).
وتضيف ماجد : ولقد وعد الله تعالى واصل الرحم بالفضل العظيم في الدنيا والآخرة : ففي الدنيا يكون واصل الرحم موصولا بالله تعالى، ويبسط الله في رزقه كما قال أنس رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهً وَسَلَّم قال: من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه»متفق عَلَيْهً، وصلة الرحم تدفع عن صاحبها ميتة السوء وتعمر بيته ويحبه الله ويحبه أهله، وأيضا صلة الرحم تكون سببا في دخول العبد الجنة، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم» .
لذا فإن العبرة بسلامة الصدر، وتقارب القلوب، ونقاء الطوية والسريرة، ولله در ابن عباس حين قال: «قد تقطع الرحم، وقد تكفر النعمة، ولا شيء كتقارب القلوب» قال تعالى : «لو أنفقتَ ما في الأرض جميعاً ما ألفتَ بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم»
وإني أدعو الجميع لإحياء سنة الحبيب المصطفى بزيارة من استطاعوا من أقاربهم في رمضان، ومن لم يقدروا على زيارته فلا أقل من الاطمئنان عليه بالهاتف، وأيضا دعوة الأقارب إلى الإفطار تجعل المسلم ينال اجرين، أجر صلة الرحم وأجر إفطار الصائم، ولا أحسن من أن يحسن المسلم إلى من أساء إليه من أقاربه فقال الشاعر : وخفض له مني الجناح تأل
لتدنيه مني القرابة والرحم
الأجر الأكبر لمن سبق
أيمن عبد الكريم معلم لمادة التربية الاسلامية، قال إن صلة الأرحام من أعظم القربات إلى الله وأجلها، قال تعالى: وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذًي تَسَاءلُونَ بًهً وَالأَرْحَامَ [النساء:1 وفي الحديث الذي رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد، عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله : { ما من ذنب أجدر أن يُعجل الله بصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم } لذا فأن ما يجري بيننا من زيارات تقتصر فقط على الاعياد، في حين انها تنعدم في بقية ايام السنة، يعتبر شكلا من اشكال قطيعة الرحم، وسوف يحاسبنا الله اذا قطعنا ارحامنا طوال العام وتذكرناهم فقط في العيدين ورمضان، وهنا يجب ان تكون المبادرة بصلة الرحم من قبل الجميع، وعلينا ان لا ننتظر المبادرة من الطرف الآخر، فالأجر الاعظم هو لمن سبق بصلة الرحم، فهكذا تسود قيم المودة والتسامح، خصوصا اذا التمسنا العذر لبعضنا البعض، فلا بأس ان يكون الاقل انشغالا هو من يبدأ بالسؤال عن الآخر، كما انه مطلوب منا جميعا ان تقدر ظروف بعضنا وان لا تكون جلساتنا مجالا للمعاتبة والمحاسبة، وان لا نثقل على بعضنا البعض في المجاملات في الطعام، والحلويات، والمشروبات رغم انها تعبر عن فرحة اللقاء والسعادة والسرور لهذه الزيارة، الا انه قد يكون لها اثر سيئ على صحة الآخرين، اذا كان الفرد منا يعاني من بعض امراض العصر.
تعقيدات الحياة
الدكتور عودة عبد الجواد ابو سنينة استاذ المناهج والتدريس في كلية العلوم التربوية والاداب - عمان، أشار إلى أن صلة الأرحام قضية دينية، وأخلاقية، واجتماعية ركزت عليها الأديان السماوية باختلافها، بالإضافة إلى العادات والتقاليد التي تنتشر في مجتمعنا الأردني الطيب، وتكون هذه الظاهرة أكثر ظهورا في البادية والريف، فصلة الارحام تكون قوية ومتينة هناك، لأن طبيعة الحياة فيها ابسط بكثير من المدن التي يكون التواصل بين الارحام فيها اقل بكثير ، وذلك لتعقيد الحياة وتشابكها فيها، فأي مشوار صغير يحتاج الى وقت لا يقل عن ساعتين أو ثلاث ساعات بسبب الازدحامات، وأيضا بسبب تقاليد غربية فرضت بروتوكولات مرهقة ومكلفة في نفس الوقت عند التزاور، ورغم ذلك لا يمنع هذا من أن يقوم الفرد منا بزيارة الأرحام في الأيام العادية وعدم اقتصار هذه الزيارات على الأعياد والمناسبات فقط، فانا اعترف أن مشاغل الناس هذه الأيام هي التي تقف عائقا كبيرا أمام صلة الأرحام، هذا بالإضافة إلى تآكل الدخل وغلاء المعيشة، لذا فأنا أقول أنه لا ضرورة لأن تكون الهدايا غالية فوق طاقتنا، بل يمكن الاكتفاء بتبادل الهدايا الرمزية بين الارحام والتي تكون ضمن قدراتنا المالية، فلا نحمل أنفسنا أكثر مما تستطيع وعلينا أن نفهم جيدا أن الهديا برمزيتها لا بثمنها، وبين أبو سنينة، أن هنالك وسائل اتصال متطورة في مجتمعنا نستطيع من خلالها ان نتحدث ونتواصل مع ارحامنا كالهاتف مثلا، وهذا اضعف الايمان وهو يزيد من الالفة والتراحم، والمودة والمحبة.
بذخ وإسراف
وفي هذا المجال يستذكر أبو سنينة، أن صلة الأرحام من قبل آبائنا وأجدادنا كانت بسيطة على قدر أهل العزم، فقد كان يتم دعوة الإناث من العائلة على أي طعام بسيط تطبخه الاسرة، في أي يوم من الأيام العادية، بدون تكلفة كبيرة، ولا ولائم ومصاريف مبالغ بها وهنا اتذكر رحمة الوالد عندما كان يدعو بنات العائلة في اكثر من مناسبة في السنة، حيث كانت الدعوة على مأدبة غداء عادية بسيطة لا تكلفة فيها اطلاقا، من الطعام البسيط العادي، أما اليوم فالمائدة يجب أن تزخر باللحوم وأطيب الطعام ببذخ وإسراف لا نظير له، والذي يبقى بعد هذه السفرة يكون أكثر من الطعام الذي تم أكله، وبالتالي يلقى مصيره المحتوم في الحاويات.