على جبهتنا الداخلية فالدولة الأردنية باتت على أعتاب إستحقاقات مصيرية لا مجال للتأجيل أو التهاون فيها، وتشمل ملفات سياسية وإقتصادية وتنموية لكي نستمر، بجانب حتمية تحقيق الإعتماد على الذات بإنفاذ ملفات أمن المياه والغذاء والطاقة ودولة الإنتاج لكي لا نفلس ولا نعطش ولا نجوع.
العالم الذي تشوبه الحروب والوباء والتغير المناخي قادمه لا يبشر كثيرا بالخير، حيث تتبلور وفي القريب سقوط بعض القوى العالمية سياسيا وإقتصاديا مقابل بروز قوى أخرى، وأبسط أساسيات علوم إستشراف المستقبل تقول بأن علينا أمام ذلك الإعتماد على الذات لكي نبقى ونستمر.
النسيج الوطني والنضج الفكري الشعبي ينظران إلى تحقيق دولة مؤسسات وقانون مستدامة قوية إقتصاديا ناضجة سياسيا ومحصنة، تحقق طموح شعبها بالرفاه والحياة الكريمة، ويشارك الجميع ببنائها.
حقيقة فلا يجب أن نجلد الذات، فهنالك سياسيا وعلى مكتب الملك ملف مخرجات تحديث المنظومة السياسية التي مرت بمراحلها المختلفة، والتي على الحكومة البدء بتنفيذ ما جاء فيها لتحقيق النضج السياسي المطلوب، وإقتصاديا فتوصيات اللجنة الإقتصادية (متعددة المحاور) والتي تعمل حاليا ستلتزم بها الحكومات وحسب التطلعات الملكية، لكي تتحقق للشعب سبل العيش الكريم.
الملفات كلها بحاجة لخارطة طريق تنفيذية زمنية شاملة ومفصلة، والأهم تمويل ما يحتاج منها من كلف؛ ملف تأمين المملكة بمياه محلاة لغايات سد النقص بمياه الشرب مثال.
تحديات الشح المائي والأمن الغذائي الوطني والطاقة والفقر والبطالة والترهل الإداري، بجانب تنامي المديونية والنفقات الجارية وتقلص الإيرادات، كلها تعقد الأمور وتضيق على صانع القرار وتجعل الخيارات أمامه قليلة.
كل ما جاء في إستراتيجية وخطط المشروع النهضوي الملكي "الإعتماد على الذات" قانونيا وإداريا وماليا وفنيا، وبإطار الإقتصاد التعاوني الذي رسمناه في منتدى النهضة وضمن خطة زمنية من خمسة أعوام، متضمنا الملفات أعلاه، أمر هام ومصيري يجب أن يرافقه العزم والحزم والمتابعة في التنفيذ، والمطلوب تنمية فيزيائية شاملة على أرض الواقع تحقق آمال وطموح شعبنا الأردني العظيم في مدنه وقراه وبواديه وأريافه ومخيماته، وتحول محافظاتنا إلى محركات تنموية فكرية إقتصادية منتجة.
الملك ومرجعيات القرار في الدولة الأردنية والذين يدركون جيدا خطورة الوضع، أكاد أن أجزم بأنهم ومع تسارع الأحداث على الساحة الدولية والإقليمية، لم يتوصلوا بعد إلى الشكل النهائي والذي ستسير فيه الأمور، وأنه يجب أن يبنى وفقا لذلك نماذج إستشرافية وطنية ذكية ومتعددة المدخلات، لأهمية تحقيق دولة قادرة على الصمود.
حقيقة لا نريد أن يشغل الشارع والرأي العام والحكومة والنخب بقضايا يومية يقودها التواصل الإجتماعي، وبالمحصلة لا نتقدم للأمام ولا ننجز، بينما نزداد فقرا وبطالة ويهددنا العطش القادم ويهدد كذلك سلتنا الغذائية وأمننا الغذائي، ولا نريد تحت أي ظرف أن تخرج الناس للشارع ونعود لمربع الربيع العربي.
واليوم فلا مجال للتأجيل أو الإنتظار، فكل المؤشرات تشير إلى أن هذا الصيف مصيري للعالم وليس لنا فقط، ومحليا فالشارع لم يعد يحتمل الحلول التجميلية أو الخطط التي لا تنفذ، بينما العالم يتغير من حولنا وما كنا نعتمد عليه بالأمس قد لا نجده في الغد.