ربما كثير من الأحداث يتم استخدامها لصرف النظر عن قضية باتت تؤرِّق العالم باسره ولن تقدر على ذلك، لأنها قضية شعب حي، شعب ضاربة جذوره في عمق التاريخ، شعب ارتبط بالأرض وبعشقها، ولا يبخل عليها بإورائها من عرقه ودمه، حتى أصحبت فلسطين إيقونة الصمود والسعي لتحقيق العدالة والسلام القائم على الحق والمرتكز على العدل.
لذلك فقضية فلسطين هي قضية عدالة وكرامة وعيش بحرية وسلام، ونشر عبق قداسة المكان الذي يحتضن أقدس المقدسات الإسلامية والمسيحية والتي يدين بها ثلثي العالم وإليها تتجه الأفئدة والقلوب من شتى بقاع الأرض، ومن أرضها المباركة يفوح عطر القداسة والسلام والوئام والمحبة والمصالحة، ويجتمع الجميع بإحترام وقبول الآخر وعقائده وممارساته وطقوسه، حتى أنّ سلام القدس ضروري لسلام العالم أجمع بأطرافه الأربعة.
فما من شكٍّ بأنَّ موضوع الصراع في فلسطين هو صراع سياسي بإمتياز وليس صراعاً دينياً أبداً، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال تحويله إلى صراع ديني، فالأديان السماوية لا تتصارع ولا تتقاتل وإنما تتشابك بين بعضها البعض لتعلّي قيم السماء المشتركة في المحبة العدالة والسلام والمساواة والتي لا يجب أن يختلف عليها أحد في إطار من التعددية الدينية واللاهوتية، والتي تبقى مصدر إحترام وتقدير وتفاعل، ومصدراً غنياً للحوار والتواصل لفهم أفضل مشترك لعالم مزقته الحروب والنزاعات والصراعات لأسباب متعددة سياسية واقتصادية واثنية وطائفية وعرقية وما إلى ذلك.
وفي خضم الأحداث المؤسفة والدامية يوم أمس الجمعة وخصوصاً في باحات المسجد الأقصى المبارك، نذكّر بأنَّ بيوت العبادة وجدت للصلاة والعبادة، ويجب أن تصان حرماتها وقداسيتها، وأن تكون مصدراً لسلام النفس والقلب، لا مكاناً للعنف وإراقة الدماء وتعميق الكراهية والخصام. فيجب أن تصان حرية الناس في القيام بشعائرها الدينية وحرية الوصول إلى مقدساتها التي تشكل جزءاً أساسياً من عقيدتها الدينية، وأن لا يسمح بتاتاً المسَّ بها لا من قريب ولا من بعيد.
وحفاظاً على حقن الدماء واستتباب الأمن والسلام والعيش بسلام يجب الإحتكام إلى القانون الدولي واحترام الوضع التاريخي القائم، ودور الأردن في رعاية المقدسات والأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس، فقد شكل الأردن بقيادة عميد آل البيت جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم دوراً مهماً وأساسياً في الحفاظ على المقدسات ورعايتها والسعي دوماً مع كل الأطراف المعنية لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية على أساس الشرعية الدولية وحل الدولتين وأن تبقى القدس مفتوحة لكل أتباع الأديان السماوية مع ضرورة الحفاظ على هويتها التاريخية والوضع التاريخي القائم فيها.
فلا يمكن إذا صرف النظر عن القضية الفلسطينية، فالعدالة لا تتجزأ ولا تتقادم ولا تموت، بل يبقى صوتها يصرخ إلى عنان السماء.