قالوا: لأنَّ في الذئب خاصيتين تميَّزا بهما عن دونه من الحيوانات الأخرى، وهما:
_ أوَّلًا: إذا وقعتْ عينُ ذئبٍ على جِنِّيٍّ، فإنه لا يُحَوِّلُ عنه بصره، بل يثبت نظره عليه بشكل تام، ولو فَصَلَ بينهما وَادٍ لَدَارَ الذئب حوله من جهة ألَّا يجعل هذا الجنيَّ الذي رصده بنظره يغيب عن عينه لحظة واحدة بسبب وادٍ أو شجرة أو عازل بينهما.. بل يجتنب كل مانع عن الرؤية.
والسر في ذلك أن الأرواح الجنية يُقَيِّدُهَا النظر، فلا تستطيع الانصراف ما دام النظر متعلقا بها، ويَعرف ذلك من اشتغل بالتَّحضير وتظاهر له الجن، فإنَّ الجني لا ينصرف ما دام النظر معلقا به، وأحيانا يُصَوِّرَ لكَ صورة وهمية بأنه يتحرك من مكانه إلى جهة من الغرفة، فإذا أتبعته نظرك اختفى وانصرف، وإذا ثَبَّتَّ نظركَ على المكان الذي خرج منه فسرعان ما تتلاشى الصورة التي أوهمك بها وتراه في نفس المحل.. وعليه نستفيد من هنا أنَّ الجنَّ يتقيَّدون بالنظر إليها!
_ ثانيا: الأرواح عموما سواء كانت ملائكة أو جِنًّا.. تكون هناك خاصية في موطئ قدمها على الأرض، فبالنسبة للجن.. ولو كان متشكلا في صورة إنسي بلحم ودم، ووقع في نفسك أنه جني، فضع قدمك مكان موضع قدمه على أثر خطواته، فإنه يَتَسَمَّرُ في مكانه ولا يَعْدُوهُ، والذئب يطلب ذلك في عَدْوِهِ وراء الجني، وإلَّا فالجني أسرع منه يقينًا، إلَّا أنه يُسَمِّرُهُ في مكانه من هذين الطريقين.
ثبات النظر إليه، وَوَضْعُ قَدَمِه على أَثَرِ خُطواته.
قد يسأل سائل:
_ هل هناك طريقة مُثلى للنجاة فيها من الذئب إذا صادفَهُ أحدهم في طريقه؟!
قالوا: نعم.. وهي الجري دائريًّا، وذلك لأن العمود الفقري للذئاب مستقيم؛ أي متَّصلٌ بالرقبة ولا يسمح لها بالالتفاف إلا بزواية بسيطة جدًّا،وبالتالي فإن الدوران الدائري يُتعب الذئب، الأمر الذي يُيَئِّسُه من فريسته فيتركها وينزوي بعيدًا.
إضافة إلى هذا فقد عرفنا من أجدادنا أنَّ أمثل الطرق لدفاع الإنسان عن نفسه من الذئب هو إشعال النار؛ لأنه يخاف منها!
فالذئب مخلوق عجيب من عجائب مخلوقات الله تعالى، ولا يقتصر عجبه على كونه الحيوان الوحيد الذي يخشاه الجن، بل إنَّ له قدرة على شَمِّ رائحة دم البشر على بُعد أميال بالصحراء، وأن الإنسان إذا أُصيب وخرج منه دَمٌ في الصحراء يُصبح هدفًا للذئب لا خلاص له منه إلَّا بشِقِّ الأنفس.
ناهيك أنه لا يأكل الجيفة مهما بلغ به الجوع، وهو حيوان لا يَتَهَجَّن، ولا يُصبح أليفًا كباقي الحيوانات المفترسة كالنمور والأُسُود.. وغيرها.
أمَّا ذكاؤُه فيكاد لا يُصدَّق؛ إذْ أنه يعرف إنْ كان راعي الماشية مسلَّح أم أعزلٌ، وبناءً على ذلك يُقرِّر الهجوم من عدمه، كما أنه يعرف إنْ كان الراعي ذَكرًا أو أنثى، وعليه يُقرِّر الهجوم من عدمه!
أمَّا هجومه على قِطْعَان الغنم أو غيرها من المواشي فله عجيبة أخرى، وهو أنه يختار أفضلها، بل إنه يُكَلِّف نفسه عناء البحث عن أجود الشياه أو الماعز.. قبل أن يفترسها! وبعد أن يقتل فريسته فإنه لا يشرع في أكلها من الخارج كما تفعل باقي المفتَرِسات، وإنما يستخرج أحشاءَها أولًا، وهي الأعضاء الطريَّة كالكبد، والكليتين، والطحال والأمعاء.. فَيَلْتَهِمَهَا، ولمَّا ينتهي منها يأكل باقي الجسم!
وهو كثير الحركة؛ حيث أنه لا يَستقر بمكان معين في القِفَار، كما أنَّ أنثى الذئب أشرسُ من الذَّكر، خاصَّة لمَّا يكون لديها جِراء صغار!
ومعروف أنَّ الذئب حيوان اجتماعي؛ حيث يعتمد على القطيع في جل شؤون حياته.
ومن لطيف التزاوج عند الذئاب أن الذئب الذَّكر ينكح بعد أنْ يتم عِراك بين الإناث والفائزة بينهن يحظى بها لتتزوج به، وتظل باقي الإناث تحت خدمتها.. وألطف من ذلك أنَّه لا يتزوَّج المحرمات من أقاربه كأمه أو أخته أو بنته.. وإنما يتزوج الغرائب عنه.
وهو مخلص جدًّا لشريكةِ حياته، حتى أنه يحزن على فقدها حزنًا شديدًا يصل به الأمر إلى العَواء مدة شهور أو سنوات.. علمًا أنَّ عَواؤُها قد يصل إلى مسافة 10 كليومترات، حتَّى أنهم قالوا: إنَّ عواء ذئب في غرفة بها إنسان من شأنه أنْ يُسبِّب تلفًا لأذنه!
وقد اختلف الفقهاء في طهارة الذئب ونجاسته، فمنهم من قال بنجاسته، وأرجعوا ذلك إلى أنَّ ما لا يؤكل لحمه كلُّه نجس، ومنهم من قال بنجاسته لا لأنه مُحَرَّم الأكل، ولا لإلحاقه بالكلب، بل لأنه من السباع والسباع نجسة.
والمشهور عند الحنابلة أنه نجس، كسائر البهائم المفترسة.
والصحيح أن الذئب طاهر، يجوز لمسه واقتناؤه ما لم يكن هناك ضرر، إذْ لمْ تذكر الروايات قط أنَّ هناك حيوان نجس سوَى الكلب والخنزير البَرِّيَان.
ويُعتَرَضُ على إطلاقهم: "ما لا يؤكل لحمه كلُّه نجس" بالآدمي، والقط، والخنزير، والكلب.. فإنهم ليسوا بِنَجِسِينَ ولا يجوز أكلهم، مع العلم أنَّ الكلب عند الإمام مالك طاهر ما عَدَا سُؤْرُهُ!
والظنُّ بنجاسة الذئب قياسًا على نجاسة الكلب قياس فاسد، وقياس الذئب على الكلب بجامع الافتراس وأنهما ذوا أنياب وأنهما لا يؤكل لحهما هو الذي يسميه الأصوليون "القياس الصُّوري"، وجمهور العلماء لا يقبلونه.
وقد أفاد العلَّامة الشنقيطي أنَّ "القياس الصوري" كقِيَاس الخيل على الحمير في عدم وجوب الزكاة، ومنها قياس القطة الوحشية على القطة الإنسية في حرمة الأكل، وقياس طهارة المني على طهارة البيضة، وتحريم خنزير البحر وكلبه بخنزير البر وكلبه..
لكن يُنصح لمن يُرَبُّون الذئاب ألَّا يُطعموها طعامًا به دَمٌ لئلَّا تستوحش أكثر!
ويطيب لي التعريج إلى موضوع حسَّاس يسكت عنه الكثير من الناس علماءَهم وعَوامهم، وهو موضوع يَصِلُ حَبْلُهُ السِّريُّ بـ "فوائد آثار الذئب"، وما مدى مصداقيتها في ميزان الشرع والعقل؟!
إذْ لمَّا علم الناس ما للذئب من الخصائص المتعلِّقة بالجن وخباياه عَمَدُوا إلى الحصول على شيء من آثاره، كجِلده أو نابه أو شَعره.. وتعليقها لإبعاد الجن!
الأمر الذي جرَّ بالكثير من العوام إلى الغلوُّ في اعتقاداتهم، فصاروا لا يُفرِّقون بين التداوي بالذئب وبين الاعتقادات الفاسدة! حتى إنَّ منهم من صار يدفن رِجْلَ الذئب في حديقة بيته توهُّمًا منه أنه طارد للمشاكل والشكوك من أهله "أُسرته".
وقد سُئل الشيخ ابن باز عمن يقومون بوضع قطعة من جِلد الذئب في منازلهم، مدَّعين بذلك أنها طاردة للشياطين؟! أجاب رحمه الله أنَّ هذا من المنكر الذي لا أصل له، بل هو من جنس التمائم!
أمَّا الذين يقتلونه من أجل نابه كي يستخدمونه للسحر، فهذا معروفًا بداهة أنه لا يجوز شرعًا!
أمَّا مَنْ سَوَّغُوا لأنفسهم استعمال ناب الذئب من أجل التحصين الشامل ضد الجن والشياطين والسحر والعَين والحسد.. أو لأولئك الذين جعلوا أطفالهم يحملونه بُغية التحسين من نفسيته، والعمل على تنويمهم دون بُكاء.. فلا نعلم له شيئًا في الوَحْيَيْنِ!
ولقد التقيتُ بمن كَتَبَ "آية الكرسي" العظيمة في ورقة، وحمل ناب الذئب معها، فلمَّا سألته عن ذلك أجابني بأنَّها تحصين مضاعفٌ، ومنهم من يكتب "سورة البروج" ويحملها مع الناب بنية تسهيل الأمور وما شَاكَل ذلك.
وهذا لا شكَّ خبطُ عشواء، لم يُنزل الله به من سُلطان في آية قرآنية ولا حديث نبوي، غير أنَّنا لا نُنكر أنها تَرُوجُ عند السَّحرة والمشعوذين بكثرة! فمن عرفَ من أحدهم أنه يحمل مثل هذا يُنصَح له ألَّا يقربَ منه، ولا يُصافحه، ولا يُوَاكِلَهُ.. ويفرَّ منه فراره الجنيِّ من الذئب!