يُشدهنا ما نراقبه في عالمنا اليوم من متغيرات ترنو إلى المستحيل أحياناً، فكثير من الدول تكون في أشد درجات العداء من بعضها البعض وسرعان ما تتحول إلى دول صديقة والعكس صحيح. ربما في علم السياسة هذا أمر طبيعي فالأمور بين الدول تحكمها المصالح ولذالك لا يبقى شيئ على حاله بل في ظل معطيات ومتغيرات جديدة تتبدل الأحول وتتغير من النقيض إلى النقيض.
فماذا عن علاقات البشر؟ فهل هي محكومة أيضاً بالمصالح؟ وهل هي المصالح التي تتحكم في علاقات الناس مع بعضها البعض وعلى رأي المثل " اللي بيوخذ أمي بقولوا يا عمّي". أهل هكذا نحن خلقنا؟ أم هكذا وجب علينا أن نعيش؟ ربما مع تغيّر كثير من المفاهيم الحالية إنزلق الكثيرون في علاقاتهم إلى هذا المفهوم، فبناء العلاقات أصبح مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً تبعاً للمصالح، فعندما تنتهي المصالح تنتهي العلاقة وكأنَّ العِشرَة والعيش والملح والخبرات المشتركة لا قيمة لها، فمع إنتهاء المصلحة تنتهي العلاقة، لا وبل قد تتحول الصداقة إلى عداوة، ويتحول الود إلى حرب أقسى وأشد فتكاً من حروب الشعوب والأمم.
فالسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا يحكم علاقاتنا مع بعضنا البعض، أهي المصالح أم القيم والمعايير الإنسانية والأخوية التي جعلها الله فيما بيننا؟ فلا غرابة إذا أن يدير كثيرون ظهرهم ويضربون كل القيم والمعايير الإنسانية والأخوية بالحائط لأن مفهوم العلاقة عندهم لا تتعدى أكثر من تحقيق مصالحهم ومنافعهم وطموحاتهم وشهوتهم، فإذا حققوا ما أردوا ضربوا القيم والأخلاق بعرض الحائط.
ربما مثل هذا التصرف لا يخضع لقوانين أرضية رادعة، ولكن من لا يصدق نفسه ويصدق غيره لا يمكن أن يصدق الله سبحانه وتعالى، فحتى في علاقاتنا مع بعض فنحن نعكس جوهر إيماننا وحقيقة شخصيتنا. والحقيقية الماثلة في الحياة أن هناك أناساً لا ولن تبدّلهم الحياة ولو جمعوا مال قارون أو حققوا مكاسب ومناصب كبيرة، فتعاملهم لا يتغيّر بل على العكس مع تقدم الأيام يزدادون أكثر إنسانية وأكثر مناصرة لقضايا العدالة ورفع الظلم عن الآخرين.