لا شك أننا نشكل عبئاً ثقيلاً على الحياة إن غادرناها ولم نترك خلفنا إرثاً يستحق أن يُخلَّد. فللحياة حق علينا أن لا نرحل عنها دون أن نترك وراءنا بصمة مميزة تضيفُ إلى سفر هذه الحياة مدماكاً يسهم في بناء الحياة الإنسانية ويعلي صروح النهضة فيها والتقدم في مجالات الحياة كافة مما يسهم بناء حضارة إنسانية تفيد البشرية جمعاء وترسخ مفهوم الإنسانية وقيمة الإنسان الحقيقية كما أرادها الخالق عزّ وجل أن تكون.
فليست حياتنا عابرة ومن غير معنى، وليست من غير رسالة نعيش لأجلها. فلكل منَّا خصه الله بمواهب مختلفة يجب أن نوظفها للإتيان بما هو جديد في عالم سريع ومتغير وبما يخدم تقدم الحياة الإنسانية ورقيها وأنسنتها وتوفير كافة وسائل الراحة لها، طبعا من غير الإخلال بالنظام الطبيعي أو البيئي.
ولأجل ذلك كله لا بدَّ من تقدير ودعم كافة المواهب والقدرات والإمكانات التي يتمتع بها الآخرون وإسنادهم للإتيان برحيق زهر حياتهم من إنتاج فكري وثقافي وأدبي وعلمي وروحي وفني وشعري. فما يقدمه المرء هو حقيقةً مقياس وزنه الحقيقي، إذ لا تقاس الناس بما تملك من مال وثروة بل بمقدار ما تسهم به في تقدم مجتمعها وخير الإنسانية جمعاء من إرثٍ يسهم في تقدم الحياة البشرية وقدرتها على مواجهة التحديات الناشئة التي تعترض معترك الحياة. فليس غريباً إذا أن يتم تخليد هؤلاء أصحاب مثل تلك الأيادي البيضاء التي وإن رحلت عنّا بالجسد لكنها حاضرة في عالمنا بما قدمته لنا من إرث محفوظ ومصان وقادر أن يسهم في تغيير حياتنا نحو الأفضل والأحسن.
ولربما نحن مدعويين في عالمنا العربي لأن يتحول تفكيرنا الفردي إلى التفكير الجمعي الذي يمأسس الأفكار ويثبتها فلا تزول بزوال الشخوص بل تبقى وتدوم وتسهم في استقرار المجتمعات ونموها وتقدمها.
لذلك، لا يجب أن نسمحَ لحياتنا أن تمر دون أن نترك بصمتنا في الحياة، فنزرعَ نبتة قابلة للحياة وللنمو والإتيان بالثمار حتى ولو تأخرت، فلا يبقى عالمنا متصحراً قاحلاً بل واحةً خضراء تستهوي العقول والقلوب.