هيهاتَ أن يأتي الزمانُ بمثله إنَّ الزمانَ بمثلهِ لبخيلُ !
في صباح ذلك اليوم الأربعاء ٢١ / ٨ / ٢٠١٩ قلبت الموازين وتبدلت الأيام وتغير كل ما في الحسبان يوم رحل الغالي عن هذه الحياة ، أخذاً معه ما رسمه على وجوهنا من بسمة طيلة العُمر .. رحل بهدوئه المعهود ، دون صخب أو جلبة .. رحل بوقار لا يليق إلا بالعظماء .. تاركاً خلفه إرثاً لا تقوى على حمله الجبال .. ترجل الفارس مستريحاً من رحلة العمر التي قضاها في خدمة وطنه ودينه وشعبه .. مترفعاً عن وشوشات هذه الدنيا التي ما كانت تثمن عنده شيئاً ..
رحلَّ بصمتٍ وهو صاحب الحضور , غابَ عن الدنيا ذو المكانةِ والحبور , ترجل عن فرس الحياةِ وترك الرثاءَ معلقاً على السطور , رحلَّ وفي كفهِ جبلةٌ من الثرى الطهور ..
لا أدري من أين أبدا الرثاء وكيف أرثي من كان لنا أباً وعماً وقائداً ومعلماً وقدوةً وشيخاً ومرشداً ودليلاً .. أرثي من كنا نرى فيه تواضع العظماء وحلم الكبار ورأفة الأقوياء وبسمة الأشداء .. أرثي من كلما تطلعنا إليه شاهدنا الأمل ، و بسمة النجاح .. و إشراقة المستقبل الباهر .. و فخر الإنجاز و حب الوطن و عزة الإنتماء.. و إباء الشرفاء و حلم الأقوياء
لم يكن رجلاً عادياً وحسب فبرحيله أنبرت أقلام الكثيرين ، فهو فقيد وطن !!
عماه لا تزال بيننا حيثما نجوب مجالس الرجال الرجال ترطب المجالس بذكراك
فقدنا رائحتك العطرة الزكية ..
فقدنا جلستك وحديثك الذي لا يمل ..
فقدنا هيبتك وشموخك وفطنتك ..
فقدنا حكمتك التي تنير بها طريقنا ..
فقدنا ودك الذي تمطرنا به في كل حين ..
ثلاثةأعوام على ترجلك يا أسد الميادين
ثلاثة أعوام علمنا فيها معنى كلمة حُزن وأدركنا ألم الفراق
ثلاثة أعوام فقدنا فيها كل شيء جميل وبقت في قلوبنا غُصَّة وفي نفوسنا حسرة على فقدانك
كبيراً عشت وكبيراً رحلت أنت الذي ما وقفتَ يوماً على قارعة المواقف ؛ فقد كنتَ دائماً أنتَ الموقف.
يشهد لك زملائك في قواتنا المسلحة وكل من كان بقربك وكل من عرفك في وطننا الحبيب
تشهد لك أراضي الميدان يا فارسها
أسمك كان كبيراً بحجم الوطن وقلبك كان أكبر بإتساع الكون
كُنت دائماً القائد الفذ الذي لا يعرف إلا أن يكون في المقدمة لقد كُنت مثالاً راقياً لمعاني الوفاء والصدق والرجولة في كافة المسؤوليات التي أُسندت إليك، يذكُرك قادتك وجنودك وكل من كان تحت أمرتك في كافة الميادين ، في قوات حرس الحدود وفي مديرية سلاح المدفعية الملكي وفي قيادة مدفعية الجيش كيف كنت قائداً لهم وأباً حانياً عليهم ، كان جنودك يشعرون بالأمن والآمان بمعييتك ، كانوا يستمدون من الله ثم من عزيمتك معاني الصبر والثبات على المبدأ
كان لسانك دائماً يكرر ويقول
,, وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه ,,
وعدت فصدقت الوعد
فستبقى كل الإنجازات والبصمات التي عملتها وتركتها خلفك تذكرك في الصبحِ والمساء وستُلقي على روحك الطاهرة التحية والسلام
فمشاهد الصلاة عليك وذلك الجمع الغفير من البشر الذي فاضت به ساحة المقابر بشر لا أعرف كيف ملكتَ قلوبهم للحد الذي تفيض أعينهم من الدمع حزناً عليك وتسمو قلوبهم بالدعوات لك
أخيرا لا أقول إلا ما يرضي الله والرسول صلّ الله عليه وسلم
إنا لله وإنا اليه راجعون
اللهمُ أبدلهُ داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وأدخلهُ الجنة واعذهُ من عذاب القبر ومن عذاب النار اللـهـمُ أجزهِ عن الإحسان إحساناً وعن الأساءة عفواً وغفراناً اللـهـمُ إن كان محسناً فزد من حسناته وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته اللهم ادخله الجنة من غير مناقشة حساب ولا سابقة عذاب اللهم اّنسهُ في وحدته وفي وحشته وفي غربته
اللهم انزلهُ منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا اللهم أجعل قبرهُ روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النار اللهم أفسح له في قبرهُ مد بصره وأفرش قبرهُ من فراش الجنة اللهم إملأ قبرهُ بالرضا والنور والفسحة والسرور اللهم إنهُ فى ذمتك وحبل جوارك فقهِ فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحق فاغفر له وارحمهُ أنك أنت الغفور الرحيم
ذكراك ستبقى كصرح من صروح البلاد
اسأل الله أن يربط على قلوبنا أيام فقدك بقية عُمرنا