لاحظ مارك شيئًا خاطئا في قضيب ابنه الصغير، حيث بدا منتفخا وبدأ يؤلم طفله، بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".
أمسك مارك، الذي يعمل من منزله في سان فرانسيسكو، بهاتفه الذكي الذي يعمل بنظام أندرويد والتقط صورا، لتوثيق مشكلة ابنه، حتى يتمكن من متابعة تطورها.
كان اكتشاف المشكلة في ليلة جمعة في فبراير 2021، فاتصلت الأم بممرضة في مركز للرعاية الصحية لتحديد موعد لاستشارة طارئة في صباح اليوم التالي، عن طريق الفيديو حيث اعتادت العيادات في ذلك الوقت ذلك، بسبب جائحة كورونا.
وطلبت الممرضة من الأم أن ترسل الصور حتى يتمكن الطبيب من مراجعتها مسبقا.
أمسكت الأم بهاتف زوجها مارك، وأرسلت بعض الصور عالية الجودة لمنطقة الفخذ لابنها إلى هاتف آيفون الخاص بها حتى تتمكن من تحميلها على نظام مراسلة مقدم الرعاية الصحية.
في إحدى هذه الصور، كانت يد مارك مرئية، حيث كان يساعد على إظهار التورم بشكل أفضل.
بمساعدة الصور، قام الطبيب بتشخيص المشكلة ووصف المضادات الحيوية، وشفي الطفل بسرعة.
لكن الحادثة تركت مارك يعاني من مشكلة أكبر بكثير، كلفته الكثير من الوقت والاتصالات ورسائل البريد الإلكتروني والصور، وجعلته هدفا لتحقيق الشرطة.
"انتهاك جسيم"
كان مارك، وهو في الأربعينيات من عمره، يعتمد بشكل كبير على حسابه على غوغل، حيث يزامن المواعيد مع زوجته على تقويم غوغل، وتقوم كاميرا هاتفه الخاص به بنسخ احتياطية من صوره ومقاطع الفيديو الخاصة به على سحابة غوغل.
وبعد يومين من التقاط صور طفله، التقط مارك على هاتفه إشعارا بأنه تم تعطيل حسابه بسبب "المحتوى الضار" الذي يمثل "انتهاكا جسيما لسياسات غوغل، وقد يكون غير قانوني"، وأرسلوا له رابطا لـ"مزيد من المعلومات" التي أوضحت أن من قائمة الأسباب المحتملة، "الاعتداء الجنسي على الأطفال واستغلالهم".
كان مارك مرتبكا في البداية ولكنه تذكر بعد ذلك إصابة ابنه، وربط الأمر سريعا بسبب خبرته في مجال التكنولوجيا، فحدث نفسه قائلا "يا إلهي، ربما تعتقد غوغل أن هذا كان محتوى إباحيا للأطفال".
كانت المصادفة الغريبة أن مارك نفسه عمل سابقا مهندس برمجيات لتطوير أداة آلية تابعة لشركة كبيرة للتكنولوجيا لإزالة محتوى الفيديو الذي يبلغ عنه مستخدمون بأنه يمثل مشكلة.
كما كان يعلم أن مثل هذه الأنظمة غالبا ما تحتوي على عنصر بشري وسط العملية، للتأكد من أن أجهزة الكمبيوتر لا ترتكب أي خطأ، وافترض أنه سيتم توضيح قضيته بمجرد وصول شكواه إلى هذا الشخص.
ملأ مارك نموذجا يطلب من غوغل مراجعة قرارها، موضحا إصابة ابنه، لكنه صدم من رفض غوغل التلقائي.
لاحقا.. لم يفقد مارك رسائل البريد الإلكتروني ومعلومات الاتصال بالأصدقاء والزملاء السابقين وتوثيق السنوات الأولى من حياة ابنه فحسب، بل أغلق أيضا حسابه على Google Fi، واضطر إلى الحصول على رقم هاتف جديد من شركة اتصالات أخرى. دون الوصول إلى رقم هاتفه القديم وعنوان بريده الإلكتروني، كما لم يتمكن من الحصول على رموز الأمان التي يحتاجها لتسجيل الدخول إلى حسابات الإنترنت الأخرى، مما أدى إلى منعه من المشاركة بمعظم حياته الرقمية.
وقال: "كلما زاد عدد البيض في سلة واحدة، زاد احتمال كسر السلة".
ونظرا لأن شركات التكنولوجيا تلتقط الكثير من البيانات بشكل روتيني، فقد تم الضغط عليها للعمل كحراس، وفحص ما يمر عبر خوادمها لاكتشاف ومنع السلوك الإجرامي.
وبينما يقول المدافعون عن حقوق الأطفال إن تعاون الشركات ضروري لمكافحة الانتشار المتفشي عبر الإنترنت لصور الاعتداء الجنسي، فإن ذلك قد يستلزم النظر إلى الأرشيفات الخاصة، مثل ألبومات الصور الرقمية، وهو تدخل قد لا يتوقعه المستخدمون، والذي وضع سلوكا بريئا في صورة شريرة في حالتين على الأقل اكتشفتهما صحيفة "نيويورك تايمز".
قال مارك: "كنت أعلم أن هذه الشركات كانت تراقب وأن الخصوصية ليست ما نتمنى أن تكون عليه". "لكنني لم أرتكب أي خطأ".
وقالت غوغل في بيان، إن"مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال بغيضة ونحن ملتزمون بمنع انتشارها على منصاتنا".
تحقيق في الشرطة
بعد أيام قليلة من تقديم مارك الاستئناف، ردت غوغل بأنها لن تعيد الحساب، دون مزيد من التوضيح، وذكر فريق مراجعة الشركة بأنه اعترض مقطع فيديو قام الأب بتصويره، وبدأت إدارة شرطة سان فرانسيسكو بالفعل في التحقيق معه.
في اليوم التالي لبدء مشكلات مارك، كان السيناريو نفسه يحدث في تكساس، حيث التقط كاسيو صورا بجهاز هاتفه الذي يعمل بنظام أندرويد، للمناطق الحساسة لطفله الصغير المصاب بعدوى في "أجزائه الداخلية"، وذلك بناء على طلب الطبيب لإرسالها له لفحصها.
تم نسخ الصور احتياطيا بشكل تلقائي في صور غوغل، وأرسلها أيضا إلى إلى زوجته عبر خدمة الدردشة من غوغل.
كان كاسيو في منتصف عملية شراء منزل، وتوقيع عدد لا يحصى من المستندات الرقمية، عندما تم تعطيل حساب بريده الإلكتروني "جيميل" الخاص به، مما جعله يطلب من سمسار الرهن العقاري تبديل عنوان بريده الإلكتروني، فكان في محط شكوك إلى أن أثبت براءته واصفا الأمر بأنه "كان صداعا".
يتم وضع علامة على صور الأطفال الذين يتعرضون للاستغلال أو الاعتداء الجنسي من قبل عمالقة التكنولوجيا ملايين المرات كل عام.
وفي عام 2021 ، قدمت غوغل وحدها أكثر من 600 ألف تقرير عن مواد إساءة معاملة الأطفال وعطلت حسابات أكثر من 270 ألف مستخدم نتيجة لذلك.
كانت الأداة الأولى في صناعة التكنولوجيا لتعطيل التبادل الواسع عبر الإنترنت لما يسمى المواد الإباحية للأطفال هي PhotoDNA، التي أصدرتها مايكروسوفت في عام 2009 واستخدمتها شركات عدة بينها فيسبوك، وهي قاعدة بيانات للصور المعروفة لسوء المعاملة، التي تم تحويلها إلى رموز رقمية فريدة، ويمكن استخدامها لتمشيط عدد كبير من الصور بسرعة لاكتشاف التطابق، حتى لو تم تغيير الصورة بطرق بسيطة.
وفي عام 2018، طورت غوغل أداة ذكية يمكنها التعرف على صور استغلال للأطفال لم يسبق لها مثيل، وهذا لا يعني العثور على صور معروفة لأطفال تعرضوا للإساءة فحسب، بل صور ضحايا مجهولين يمكن أن تنقذهم السلطات. وأتاحت غوغل تقنيتها لشركات أخرى، بما في ذلك فيسبوك.
عندما تكتشف غوغل صورا مثل تلك، فإنها تغلق حساب المستخدم، وتبحث عن مواد استغلالية أخرى. ووفقا لما يقتضيه القانون الفيدرالي، تقدم تقريرا إلى "سايبر تيبلاين" في المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين، وهي منظمة غير ربحية، تلقت 29.3 مليون تقرير العام الماضي، مما يعني حوالي 80 ألف تقرير في اليوم.
ويقول فالون ماكنولتي، الذي يدير المنظمة، إن معظم هذه الصور تم الإبلاغ عنها سابقا، ويركز طاقمها المكون من 40 محللاً على الضحايا الجدد المحتملين ، حتى يتمكنوا من إعطاء الأولوية لتلك القضايا لإنفاذ القانون.
في عام 2021، ذكرت "سايبر تيبلاين" أنها نبهت السلطات إلى "أكثر من 4260 من الأطفال الضحايا الجدد المحتملين"، كان ابنا مارك وكاسيو بينهم.
براءة.. ولكن
في ديسمبر 2021، تلقى مارك مظروفا بريديا من قسم شرطة سان فرانسيسكو، احتوى على رسالة تبلغه بأنه قد تم التحقيق في قضية تم تقديمها من قبل غوغل ومزود خدمة الإنترنت الخاص به، مشيرة إلى أنه تم تقديم معلومات الاتصال الخاصة به، وكل شيء في حسابه على غوغل، والتي شملت عمليات البحث التي أجراها على الإنترنت، وسجل مواقعه ورسائله، وأي مستند وصورة وفيديو قام بتخزينها لدى الشركة.
وأشارت رسالة الشرطة بأن البحث المتعلق بـ"فيديوهات استغلال الأطفال" قد جرى في فبراير 2021، أي خلال أسبوع من التقاطه صور ابنه.
اتصل مارك بالمحقق نيكولاس هيلارد الذي وردت معلوماته في رسالة الشرطة، والذي أخبره بأن القضية أغلقت.
وكتب هيلارد في تقريره: "لقد قررت أن الحادث لا يتوافق مع عناصر الجريمة وأنه لم تحدث جريمة".
فقد تمكنت الشرطة من الوصول إلى جميع المعلومات التي كانت لدى غوغل على حساب مارك، وقررت أنها لا تشكل إساءة معاملة للأطفال أو استغلالهم.
سأل مارك عما إذا كان بإمكان هيلارد إخبار غوغل بأنه بريء حتى يتمكن من استعادة حسابه، لكن المحقق قال، وفقا لمارك: "عليك التحدث إلى غوغل، لا يوجد شيء يمكنني القيام به".
استأنف مارك قضيته إلى غوغل مرة أخرى، وقدم تقرير الشرطة، ولكن دون جدوى.
قبل شهرين من تلقيه إشعارا بأنه تم حذف حسابه على غوغل نهائيا، تحدث مارك مع محام بشأن مقاضاة غوغل، لكن كان الأمر "ربما لا يساوي إلا سبعة آلاف دولار فقط".
كما تم التحقيق مع كاسيو من قبل الشرطة، حيث اتصل محقق من قسم شرطة هيوستن في خريف عام 2021، طالبا منه الحضور إلى قسم الشرطة.
بعد أن أظهر كاسيو للمحقق اتصالاته مع طبيب الأطفال، سرعان ما تمت تبرئته، لكنه لم يتمكن من استعادة حسابه على غوغل مثل مارك.
ولا يزال مارك يأمل في استعادة معلوماته، حيث تحتفظ شرطة سان فرانسيسكو بمحتويات حسابه على غوغل على قرص، يحاول الأب الآن الحصول على نسخة منه.