نجوع ونعطش بيولوجياً إلى الطعام والشراب وهذا ضروري لنمو أجسادنا ولإستمراية الحياة الطبيعية، وقد لاحظنا كيف يتحول جسم المضربون عن الطعام ولأسباب كثيرة كالأسير خليل العواودة لمدة مائة وإثنين وسبعين يومًا لأسباب سياسية لرفضه الإعتقال الإداري، إلى جسم نحيلٍ بالكاد يقدر أن يمسك كوب ماء.
كذلك هناك جوع وعطش روحي، إذ يحتاج الإنسان بما أنه جسد ونفس وروح أن يُغذي حياته الروحية وأن يشبعها بإقترابها من الله سبحانه وتعالى بالطريقة التي يرتأيها مناسبة وهذا يجب أن يكون مسعىً يومي وحاجةً يومية لتكونَ حياةُ الإنسان متوازنة في كافة جوانبها، ولا يقل الجانب الروحي عن الجانب الجسدي أيضاً.
وهناك أيضاً الجوع والعطش الثالث الذي يغفل عنه الكثيرون وهو الجوع والعطش إلى المعرفة والفكر والثقافة التي تغذي العقل وتصقله وتنيره. ولربما نحتاج في عالمنا العربي أن نولي موضوع المعرفة والفكر والثقافة إهتماماً وشأنًا كبيراً، فلا يكفي أن نزود طلابنا بمعرفة المواد المنهجية المخصصة لهم بل يجب أن نحيطَهم بضرورة التسلح بالفكر والفلسفة والثقافة الواسعة لئلا يتغربوا على بيئتهم بل أن يبقوا على صلة وثيقة بها، ويقدروا على التفاعل معها ويطوّروها ويتغلّبوا على كل الصعاب، وكذلك أن يقدروا على التواصل مع العالم الخارجي.
جدير بالذكر أنَّ العلم لا يكتمل دون ثقافة، فالثقافة الواسعة توسع المدارك وتفتح آفاقاً جديدة، لذلك لا يكتمل العلم دون سعة الثقافة. فيبقى هذا النوع من الجوع والعطش إلى الثقافة حاجة يجب أن تُغرس مع الفرد منذ طفولته، مما يضع المسؤولية الكبرى على العائلة نواة المجتمع الأولى أن تغرس هذه القيمة الهامة في حياة أبنائها، فمكانة الفرد ومنزلته تتحدد بقدرته على التفاعل بعلمه وفكره مع ثقافته المكتسبة خلال حياته من بيئته وعائلته ومدرسته وجامعته ومجتمعه ومطالعته وسفره.
لذلك فأي نقص في التوازنِ ما بين حاجات الإنسان الثلاثة الجسدية والروحية والثقافية المعزَّزَة بالعلم والفلسفة تقود إلى الإختلال في توزان قِدْرَ حياته. والحقيقة أنَّ مجتمعاتنا بحاجة إلى أمثال هؤلاء القادرون أن يوازنوا بين هذه الحاجات الثلاثة، فَهُمْ الأقدرُ على النهوض بها من كبوتها وسباتها