تفجير شاحنة مفخخة بالمتفجرات بجسر كيرتش الذي يربط بين شبه جزيرة القرم والأراضي الروسية، ما أدى إلى اشتعال النيران في عدد من صهاريج الوقود في قطار كان يسير عبر الجسر.. وقالت السلطات الروسية إن الحادث تسبب في تعليق حركة السيارات والقطارات في جسر القرم دون وقوع إصابات أو ضحايا بشرية. ولم تفصح التقارير الرسمية عن مدى الأضرار الجسيمة التي تعرض لها هذا العصب الحيوي، ناهيك عن الأثر المعنوي السلبي الذي سيتركه الحادث على معنويات الروسيين في القرم.
وكان التوتر قد تصاعد حول شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا بعد استفتاء في العام 2014، على وقع سلسلة انفجارات بقواعد ومستودعات عسكرية روسية في شبه الجزيرة خلال الأسابيع الماضية، وأخطرها التفجير الأخير في جسر كيرتش، الذي بنته روسيا لربط أراضيها بشبه جزيرة القرم.
مجلس الدوما من جهته اعتبر الهجوم بمثابة إعلان حرب من قبل الناتو.. وقد تحرك الشارع الروسي مطالباً بالرد حسب العقيدة النووية الروسية رداً نووياً تكتيكياً رغم استبعاد هذه الخيار في الوقت الراهن وفق مراقبين، وربطه بفشل اختبار فاعلية الشتاء المقبل على الأحداث ومن ثم تقدير النتائج لاتخاذ ما يلزمن من ردود ميدانية.
ويستشف من ذلك أن الجيش الأوكراني (وكيل الناتو وذراع أمريكا الميدانية في الصراع) يستعد لتنفيذ هجوم عكسي ضد شبه جزيرة القرم بالتزامن من الهجوم الجاري في خيرسون الاستراتيجية، بغية استرداد أكبر قدر ممكن من الأراضي التي ضُمَّتْ إلى روسيا بموجب قرار بوتين المعلن في خطابه الأخير بضم الأقاليم الأربعة إلى روسيا الاتحادية بناءً على نتائج الاستفتاء المسبقة المؤيدة لذلك،
ويأتي هذا الهجوم المتوقع؛ لاستباق الشتاء القارس الموحل الذي من شانه تجميد والوقود السائل في المعدات الحربية، وتعطيلها، ناهيك عن إعاقة خطوط الإمداد الغربية القادمة من قاعدة الناتو في بولندا أو من محطات الدعم اللوجستي المتحركة في الخطوط الخلفية للجيش الأوكراني، ومحاولة حثيثة للتسابق مع الزمن بغية استغلال صفاء الأجواء النسبي قبل انتشار الغيوم الداكنة التي قد تعيق عمل الأقمار الاصطناعية في تتبع حركة الجيش الروسي وخاصة أنه مقبل على نشر أفواج جديدة من الاحتياطيين بعد إعادة تأهيلهم عسكرياُ.
أما ما يتعلق بالجانب الأمريكي، فالهجوم المحتمل من شانه إنقاذ الديمقراطيين من كارثة تنتظرهم في الانتخابات النصفية القادمة، وتحقيق مكتسبات ميدانية على الأرض الأوكرانية فمن شأنه التخفيف من وطأة ما تسببه قرار أوبيك بخفض الإنتاج إلى مليوني برميل يومياً ما تسبب برفع أسعار البنزين الذي سيكون له آثار سلبية على نتائج الانتخابات المقبلة.
أما الأوربيون فالكارثة قادمة ما دامت العقوبات مفروضة على روسيا بسبب قطع الغاز الروسي تزامناً مع قدوم الشتاء، وبالتالي تفاقم التضخم الاقتصادي حتى لو قررت البنوك المركزية رفع الفائدة، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاضات جديدة على قيمة اليورو والجنيه الإسترليني، ما سيؤدي إلى تعثر عجلة التنمية واضطرابات سوف يشهدها الشارع الأوروبي والتي بدأت شواهدها بالظهور منذ تفجير خطي نورد 1-2، والضرر الذي لحق من جراء ذلك بكابلات الكهرباء التي تمر قريباً من منطقة التفجير باتجاه المانيا تحت بحر البلطيق، أضف إلى ذلك خشية ألمانيا من العمليات التخريبية لخزانات الغاز المسال وكابلات الإنترنت.
أما عن المؤشرات غير المباشرة لحرب نووية محتملة، فتتجلى في بعض الملاحظات التي يشهدها الموقف الغربي في بعده الوقائي والتي تفسر مدى الاهتمام الجاد بتهديدات بوتين، على نحو: شراء حبوب اليود بكميات هائلة فى أمريكا وبعض الدول الأوروبية والمعنية بحماية الجسم من السموم الإشعاعية، وحشودات الناتو العسكرية في القاعدة البولندية القريبة من حدود روسيا مع بولندا (قاعدة ناتو محتملة) تهيئة لأي رد غربي على بوتين إذا نفذ تهديداته النووية التكتيكية. أضف إلى ذلك شواهد الموقف الروسي إزاء جدية تهديداته التي يأخذها الغرب على محمل الجد، مثل: تحريك القطارات التي تحمل أسلحة الردع النووي الاستراتيجية في مواقع متقدمة، واختبار أسلحة الليزر في التشويش على أقمار التجسس الغربية بكفاءة عالية، واختفاء غواصة بيلغورود النووية، التي تعرف أيضا باسم "غواصة يوم القيامة"، وهي واحدة من أضخم الغواصات في العالم، من قاعدتها الرئيسية في القطب الشمالي، مما يعني أنها قد تكون في طريقها إلى بحر كارا لاختبار القنبلة النووية التي تحملها "بوسيدون"، وفقا لمذكرة تحذير من حلف شمال الأطلسي سُربت إلى وسائل الإعلام الإيطالية في نهاية الأسبوع المنصرم.
صحيح أن أي تقدم للجيش الأوكراني على صعيد ميداني، قد يعزز موقف الحكومات الغربية إزاء شعوبها التي خرجت إلى الشوارع، وبخاصة في فرنسا وألمانيا، مطالبة بوقف الدعم للجيش الأوكراني، ولكن الخيار النووي التكتيكي الروسي الذي يلوح في أفق الازمة سيظل ماثلاً لحسم الحرب وفق الرؤية الروسية ومن ثم اشتعال فتيل حرب نووية لا تبقي ولا تذر كسيناريو انتحاري ما زال الوقت متاحاً لتحاشيه.
إن تفجير جسر كيرتيش ليس آخر المطاف في حرب كل المؤشرات تفصح عن خاتمة وخيمة لن يخرج فيها رابح إلا الشيطان الذي يعربد في التفاصيل ما دام الناتو يصب الزيت على النار.. وزيلينسكي دمية مسير في يد الناتو لا مخيرة.. وبوتين يصر على النصر في حرب ضروس سيعقبها تغير وجه العالم إلى الأبد.