لطالما كانت الحروب سبباً في قتل الأبرياء والأطفال والنساء فضلاً عن الدمار والمعاناة التي تستمر لسنوات من أجل محو آثارها، تطفو على السطح قصصاً إنسانية تتعاقبها الأجيال، ولعل قصة الجندي الأوكراني أروتور الذي يواجه ووالده الروسي أوليغ كانت مثالاً واضحاً لما سببته الحرب التي مزقت الأسر والعائلات ووضعت الابن في مواجهة أبيه.
بسبب ماضي البلدين المتشابك والمعقد، فإن العديد من الأوكرانيين لديهم أقارب على الجانب الآخر من الحدود، فيما تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في تشتيت آلاف العائلات، وبعد وقت قصير من بدء الغزو، ظهرت تقارير عن رفض بعض الأقارب الروس الأوكرانيين تصديق أن جيش فلاديمير بوتين كان يقصف المدنيين في المدن في جميع أنحاء البلاد.
لكن القليل من القصص تلخص الانقسام الأسري بشكل دراماتيكي مثل قصة أرتور، وهي أول رواية معروفة لجندي أوكراني يقاتل والده كجزء من القوات الروسية. وُلد أرتور في عائلة عسكرية في مدينة بوريسبيل القريبة من كييف.
وفقاً لصحيفة «الغادريان»، تعود أحداث القصة عندما بدأت روسيا عملياتها العسكرية في أوكرانيا، ففي الساعات الأولى من يوم 24 فبراير الماضي، بدأت الصواريخ في قصف كييف، وشنت روسيا أكبر هجوم على دولة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، حينها أمسك الابن أمسك أرتور بهاتفه، مثله مثل ملايين الأوكرانيين، للاتصال بأسرته.
لم يكن اتصال الابن بوالده من أجل الاطمئنان عليه ولكنه ترك رساله له قائلا: «أيها الحمقى»، فيما رد أوليغ، العقيد في القوات الانفصالية الموالية لموسكو في شرق أوكرانيا على رسالة ابنه قائلاً: «لا تحمل السلاح.. كييف ستسقط قريباً».
لم يستجب أرتور لنصيحة والده وسرعان ما تم تجنيده كمتطوع، حيث شارك في الدفاع عن أوكرانيا عن العاصمة، والذي انتهى بانسحاب القوات الروسية من المنطقة في أبريل.
عقب ذلك، التحق بالجيش الأوكراني النظامي وشارك مؤخرًا في هجومه المضاد في شمال وشرق أوكرانيا.
ونشرت «الغاريان» صوراً لأرتور وهو يدخل إيزيوم وليمان، وهما مدينتان استراتيجيتان رئيسيتان حررتهما أوكرانيا خلال الشهر الماضي.
طوال هذا الوقت، ظل على اتصال بوالده في دونيتسك التي تحتلها روسيا، ويقول أرتور في مكالمة فيديو من إقليم زاكارباتيا، في أقصى غرب أوكرانيا، حيث كان يتعافى بعد شهور من القتال المروّع: «كل واحد منا فقط يقاتل من أجل القضية».
يقول أرتور إن والده انتقل إلى روسيا بحثاً عن عمل بعد الطلاق من والدته في عام 2011، إذ كان يكافح من أجل المال، فيما اضطر إلى الانضمام للقوات الانفصالية الموالية لروسيا في دونيتسك في عام 2016، بعد عامين من ضم موسكو لشبه جزيرة القرم وإرسال بوتين قواته لدعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا.
ويتذكر أرتور: «لقد صدمت عندما أخبرني أنه ينضم إلى القوات الانفصالية في دونيتسك.. وكان بالنسبة لي، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الأوكرانيين أن هذا يعني أنه انضم إلى العدو».
ويضيف أرتور إنه رأى والده يتبنى تدريجياً موقفاً موالياً لروسيا في الصراع حتى قبل أن ينضم إلى الانفصاليين، كانت الدعاية الروسية تسيطر عليه، وتابع قائلاً: «اعتقدت أنه لن يستسلم لها، وأنه سيكون أكثر ذكاءً من ذلك. ولكنني كنت مخطئاً».
ومع ذلك، ظل الاثنان على اتصال عندما تابع أرتور، وبعد دراسة الهندسة، أراد الابن تحقيق حلمه في ممارسة مهنة في صناعة السينما في كييف، ولكن مع تصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا في الفترة التي سبقت غزو فبراير 2022، زادت المسافة بين الأب والابن.
في أوائل مارس، بعد طرد معظم القوات الروسية من كييف، أرسل أرتور رسالة فيديو قصيرة إلى والده، يسخر منه بسبب تحذيره السابق بشأن سقوط العاصمة. «أنا أتجول ولكن لا يمكنني رؤية روسي واحد. يبدو أنهم اختفوا. هل يمكنك أن تنصحني، أنا لا أفهم أين هم؟».
ورد أوليغ أن حظوظ روسيا ستتغير قريبًا، وحث ابنه مرة أخرى على إلقاء أسلحته.. «في تلك المرحلة ، رأيت بالفعل أن آماله في تحقيق نصر روسي كانت تتضاءل. بدأ يصبح أكثر يأسًا حيث كانت أوكرانيا تكتسب المزيد من الأرض ».
وبحسب الغارديان، تحدث الابن مع أبيه مرة أخرى بعد ظهور أدلة على عمليات قتل روسية للمدنيين من بلدة بوتشا الأوكرانية. وقال أوليغ إن التقارير كانت «كاذبة»، وأبلغه بأن صور القتلى المدنيين في بوتشا قد تم تدبيرها وأن المدنيين قتلوا على أيدي الأوكرانيين أنفسهم.