أهم إستثمار يقوم عليه عالمنا اليوم هو الإستثمار في صقل النفس البشرية وتهيئتها وتسليحها بالعلم والمعرفة لتكون قادرة إلى الدفع بعالمنا للأمام لا للرجوع به إلى التخلف والرجعية واللاإنسانية.
بنظرة سريعة نرى الناس يتكلمون عن الإستثمارات المادية التي قد تعود عليهم بالفائدة، وهي ضرورية وهامة، ومجتمعاتنا المشرقية والعربية تحتاج إلى الإستثمارات الكبيرة والضخمة التي تعمل إلى توفير فرص عمل للشباب وتقليل من نسب البطالة المرتفعة والتي تزايدت أيضاً إضافة لعوامل كثيرة بتغيّر نمط الحياة التقليدي إلى عالم التكنلوجيا والإخترعات الجديدة وعصر الإنترنت وثورة الإتصالات الحديثة.
وفي موازاة هذه الإستثمارات التي لا غنى عنها لا يجب أن لا نغفل عن أهمية الإستثمار الجاد والحقيقي في الإنسان أي في أبنائها وبناتنا لأنهم يشكلون القيمة الحقيقية لعالمنا، فبالعلم والمعرفة والثقافة نهيئ الطريق لأبنائها للسير نحو المستقبل الذي يتطلب استثماراً في تنمية العقول وتطويرها لتكون بفكرها النقدي قادرة على التفاعل مع متغيرات الحياة ومستجداتها. فأقوى سلاح نقدمه لأبنائها هو سلاح العلم والمعرفة وسعة الثقافة لأنه يشكل الإستثمار الحقيقي الذي وإن إحتاج منّا أن نَبذِل الغالي والنفيس في سبيله لكنه يستحق منا التضحية الكبيرة لأننا بذلك نوّرث أبناء ثروة فكرية وعلمية ومعرفية تشكّل السلاح الناجع والمضمون والآمن لمستقبلهم في ظّل تقلبات الحياة وتغييرها.
طبعاً هذا لا يقلل من أهمية المادة والإستثمار الآمن فيها، ولكن لا يجب أن يكون ذلك أبداً على حساب الإستثمار في الأبناء. وهناك قصصاً كثيرة تروى عن عائلات تغيرَّت حياتُها وتبدّلت للأحسن بفضل الإستثمار في تعليم الأبناء وتطوير فكرهم وإكسابهم المهارات اللازمة في التوازن العقلي والعاطفي والروحي مما ساعدهم أن يحققوا ذواتهم وساهموا في بناء مداميك جديدة في الصرح العلمي الإنساني وفي تحقيق الرضى النفسي والسعادة التي تتأتى من الإستمتاع حتى بأصغر الأمور وأبسطها لأننا نحن من نصنع سعادتنا بتحقيق ذواتها وبإنسانيتنا وبصداقاتنا وبنجاح مشروع حياتنا.
من هذا المنطلق فأهمية التعليم النوعي هامة، ولا يجبُ أنْ يَقتصرَ هذا التعليم على الطبقات الغنية فقط، فليس الإبداع محصوراً بالطبقات الغنية بل الإبداع طاقة كامنة في قلوب وعقول كثيرين من البشر، وما يحتاجونه هو إلى إطلاق العنان لقدراتهم بتوفير البيئة المناسبة لهم والتعليم الصحيح.
فما أحرانا أن ندعم ونعزز التعليم المتكافئ للجميع وليس لمن يملكون المال. فكم من عبقري وكم من عالِم وكم من مخترع عظيم أتى من بيئة متواضعة. وَتَبقى الأهمية الكبرى هي الإستثمار في الإنسان بما يعود بالنفع علينا جميعاً وعلى خدمة الوطن والإنسانية جمعاء.