مائة وخمس سنوات مَضَو كانوا سبباً في مآسٍ كثيرة وجراحات كبيرة فتكت بالشعب العربي الفلسطيني حتى بات الجرح نازفاً طيلة هذه المدة، حيث شُرّد في النكبة الفلسطينية عام 1948 نصف الشعب الفلسطيني مقتلَعَا من أرض آبائه وأجداده، والنصف الآخر ما زال يعاني مأساة الإحتلال وسياسة التمييز العنصري بأبشع أشكاله، وكل ذلك بسبب عين العطف البريطانية بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين كما ورد في وعد بلفور الذي وافق عليه الرئيس الأميركي ولسون ونال موافقة فرنسا وإيطاليا آنذاك.
تاريخياً في بداية القرن العشرين كان عدد سكان العرب في فلسطين يناهز 650 ألفاً وعدد سكان اليهود يشكلون 5% من السكان أي 50000، ولكن الوعد المشؤوم الذي قدَّمه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور في الثاني من تشرين الثاني 1917 إلى اللورد ليونيل دي ورتشيلد أحد أبرز وجوه المجتمع اليهودي البريطاني شكل ورقة دعم سياسي رسمي لتنفيذ الوعد دون الإنتقاص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين!
وقد شكل هذا الوعد والسياسة المنتهجة مأساة القرن العشرين حتى أصبح الصمود الفلسطيني مدعاة للقمع والتنكيل والمقاومة إرهاباً والسعي نحو تحقيق السلام والعدالة جريمة، والنتيجة هي مزيد من سفك دماء الأبرياء ومزيد من المعاناة وغياب الأمن والإستقرار في المنطقة ونمو حركات التطرف، وقمع شعبٍ يحِّبُ الحياة ويطمح في تحقيق المصير ونشر قيم المحبة والوئام والسلام والعدالة، والمساهمة في بناء الحضارة الإنسانية التي تشكل كلُّ شعوب الأرض أحجار أعمدتها، فمن أرض فلسطين نبغت عقول كثيرة تناولت كافة حقول العلم وأبدعت فيها وقدّمت للعالم أجمع مساهمات فكرية وعلمية وإنسانية وروحية وحضارية. وما زالت هذه الأرض المقدسة وَلاّدة بأمثال هؤلاء، فهم ثروةٌ للإنسانية جمعاء.
فهل ما زالت عين العطف البريطانية أحادية الجانب وتسهم في إستمرارية مآساة الشعب الفلسطيني أم أن عطفها يشمل أيضاً الشعب الفلسطيني المتألم والمصلوب؟ فالعطف قيمة إيمانية عظيمة لكن وجب ألا ينتهك حقوق الآخرين ويتسبب في معاناتهم.
فمن باب الإنصاف والعدالة أن لا يَبقَى الجُرحُ الفلسطيني نازفاً وأنْ لا يبقى السلام العادل والشامل غائباً عن أرض القداسة والسلام، وأن لا تشمل عين العطف والإنصاف الوعد بتحقيق السلام في أرض فلسطين التاريخية.