يسهلُ على المرءِ أن يكونَ متفرِّجا متمترساً خلف الشاشات أو على الستاد لا لاعباً على ارض الملعب، فاللاعب يتحمّل في الميدان مخاطر وتحديات وصعوبات وما يرافق ذلك من تعبٍ وجهد وأعصاب مشدودة، رغم إمتلاء قلبه بالحماس والتحدِّي والإصرار على الفوز وتحقيق النصر المنشود.
والملاحظ أن المتفرجين في عالم اليوم كثيرون، يتقنون فنّ التنظيرِ عن بعدٍ من مقاعدهم المريحه وأجواءِ مكاتبهم المكيفة وفراشهم الوثير. وكم يكثرُ المتمترسون خلف صفحات وسائل التواصل الإجتماعي فقط لترصّد الأخطاء والثغرات ولتوجيه سموم سهامهم من دون إلمام كامل أو إطلاع على التفاصيل أو معرفة خلفيات المواضيع.
على كل حال، ما يهمنا في مسرح الحياة أن لا نكون متفرجين بل لاعبين، فالحياة وُجدت لندخل ملعبها ونشتبك مع كامل تفاصيل حياتنا لنقدر أن نحقق النجاح الذي نسعى ونركض لأجله. فالحياةُ بطبيعتها تلفظُ المتفرجين وتقبل باللاعبين، لأنَّ اللاعبين قادرون على سَبر أغوار الحياة، وقادرون على الكشف عن أسرارها وعلى تبيان أجمل معانيها وإبراز جمالها وبهائها.
وقد تصور الشاعر الإنجليزي الكبير شاكسبير العالم أنه بمثابة مسرح يعتليه ممثلون بارعون، يشكلون في أدائهم وعملهم وتمثيلهم على خشبة المسرح معنىً وقيمةً ورسالة، ولكن الفرقَ بين هذا المسرح الذي تحدث عنه شاكسبير ومسرح الحياة أنّه على ذلك المسرح هناك ممثلون يتلقون أدوارهم من المخرج الذي يوجههم كيفهما إرتأى مناسباً، وهذا يجب أن يكون على خلاف مسرح الحياة التي وجب فيها علينا أن نكون لاعبين حقيقيين لا نستمِّدُ توجيهنا من أحد إلا من نبض قلوبنا وضمائرنا. عندها فقط، نقدرُ أنْ نكونَ لاعبين حقيقيين على مسرح الحياة لا ممثلين نؤدي أدوراً رُسِمَت لنا، مما يمكننا أن نكون قادة لا منقادين، ومؤثِّرين لا قطعان تنساق من غير وعي وإدراك.
والحقيقة هو أنه عندما نختار أن نكون لاعبين حقيقيين على مسرح الحياة عندها نقدر العيش بحريةٍ تامةٍ دونَ الإنقياد الأعمى، وأسمى معاني الحرية هي حريةُ العقل الذي يوجه حياتنال لنرفض ما يتناقض مع العقل ومع الطبيعة.