تعرّف الأحزاب السياسية في أدبيات علم السياسة على أنها أحزاب وجماعات سياسية تملك برنامجا محددا يهدف بالأساس إلى الوصول إلى السلطة، وتمتلك الأدوات التي تمكنها من تحقيق هذا الهدف. والمفترض أنها ترتبط بحركة سياسية تعبر عن فئات اجتماعية، وتعمل على دعم وتقوية النفوذ الاجتماعي لها، وذلك عبر طرح برنامج قابل للتطبيق في ضوء معطيات الواقع المحلي والإقليمي والدولي، وبالتالي تتمحور أهم وظائفها في نشر الوعي والتعبئة السياسية والجماهيرية والتجنيد السياسي ودعم الرقابة الشعبية على السلطة التنفيذية. ويرتهن نجاحها في أداء تلك الوظائف بتوافر معايير ومؤشرات محددة يأتي في مقدمتها كفاءة البناء الداخلي التنظيمي للحزب، والتماسك والقدرة على التكيف والتطور المستمر لمواجهة الظروف المتغيرة.
بدأت الحياة الحزبية في الأردن قبل إعلان تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921. ففي عام 1919، أي في عهد الحكومة الفيصلية، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وافتضاح أمر سايكس بيكو (1916)، ووعد بلفور (1917)، انضم بعض الأردنيين إلى حزب الاستقلال السوري، وعندما تأسست إمارة شرق الأردن، تم تأسيس فرع لهذا الحزب في الأردن، حيث شارك بعض أعضائه في أول حكومة أردنية برئاسة رشيد طليع عام 1921.
وقد كان حزب الشعب الأردني أول حزب تأسس عام 1927 وهو الحزب الذي دعا إلى تكوين مجلس نيابي منتخب وحكومة مسؤولة أمامه، وكان من الداعين إلى المؤتمر الوطني الأردني عام 1928، واستمر هذا الحزب خمس سنوات. ومن أهم الأحزاب السياسية في الأردن حزب التضامن الأردني عام 1933 وحزب الإخاء الأردني 1937 والحزب القومي الاجتماعي عام 1938، ثم ظهرت حركة الأخوان المسلمين عام 1943 واعترف بها عام 1946 ثم حزب العربي الأردني 1946 وحزب الشعب الأردني عام 1947 والحزب الشيوعي 1951 وحزب التحرير 1952 وحركة القوميين العربي 1952 والحزب الوطني الاشتراكي 1954 برئاسة دولة سليمان النابلسي، ثم حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1955.
وبعدها صدر قانون الأحزاب عام 1956، وبعدها اقتضت الظروف السياسية التي مرت بها المنطقة والأردن وإعلان حالة الطوارئ، مما أدى إلى توقف النشاط الحزبي حتى عام 1989، وبعدها صدر قانون للأحزاب عام 1992، وتلاه إصدار قانون عام 2012، وقانون عام 2015.
عُدّل قانون الأحزاب السياسية في آخر تعديلاته عام 2022، ويشترط القانون استناداً إلى نص المادة 10 منه على أن الأحزاب المؤسسة قبل نفاذ القانون توفيق أوضاعها خلال سنة واحدة من تاريخ نفاذه، وذلك بعقد مؤتمر عام تتوافر فيه شروط المؤتمر التأسيسي، وبخلاف ذلك يتم حل الحزب، بحيث لا يقل الأعضاء المؤسسون للحزب عند انعقاد مؤتمره التأسيسي عن ألف شخص، يمثلون 6 محافظات على الأقل، بواقع 30 شخصاً على الأقل من كل محافظة، وأن لا تقل نسبة الشباب والمرأة عن 20%، وأن يكون من بين المؤسسين واحد على الأقل من الأشخاص ذوي الإعاقة، وأن لا يقل الحضور الوجاهي عن أغلبية الأعضاء المؤسسين، وبخلاف ذلك يتم حل الحزب.
وعلى الرغم من الفترة الزمنية الطويلة التي وجدت فيها الأحزاب السياسية في الأردن فإنه يمكن الاستنتاج أن تأثيرها حين كانت ممنوعة من العمل السياسي العلني كان أكثر من تأثيرها في الحياة السياسية بقي محدودا، ويعتقد البعض أن تأثيرها حين كانت ممنوعة من العمل السياسي العلني كان أكثر من تأثيرها في ظل الانفراج الديمقراطي بعد عام 1989، وأن العمل العلني وضع الأحزاب في مواجهة السلطة والدولة والشعب في الوقت نفسه.
بعد عام 1993 تحولت هذه الأحزاب إلى مجرد ديكور و مجرد موجودات شكلية لاستكمال الصورة الخارجية للديمقراطية دون جوهرها الأمر الذي كان لا بد أن يطبع بصماته على الحياة السياسية كلها لا سيما أن الأحزاب بدت بطيئة في قراءة التغيرات و التطورات التي اجتاحت المنطقة والعالم. بعد أن أخفقت في التحول من النطاق النخبوي إلى آخر جماهيري واسع.
كما وأن العشيرة كانت ولا تزال الحلقة الأقوى في عملية التعبير عن المصالح وبالتالي تظل منافسا قويا للأحزاب وأن الموروث السياسي للفترة 1957_1989 والتعبئة السياسية المعادية للأحزاب على أنها معادية للنظام.
وخلال الاحتجاجات التي شهدها الأردن والتي دعت إلى تنظيمها وقادتها قوى شعبية غير منتمية لأي من الوسائط السياسية التقليدية ارتضت القوى السياسية والأحزاب العزوف عن المشاركة فيها و اختارت الغياب عن المشاهد لحين اتضاح الرؤية. وعلى هامش الحراك الشعبي المفاجئ سعت قوى المعارضة المدجنة إلى اللحاق بالركب ومحاولة التأثير فيه.
إن الأحزاب السياسية التي وصل عددها حوالي الخمسون حزب لا تزال تشهد أزمة ارتداد وتراجع وتدهور سواء في وظيفة الحزب أو في شرعيته الاجتماعية أو في موقعه من النظام السياسي. وعلى مستوى صنع القرار تطالب الاحزاب بالديمقراطية ولكنها لا تطبقها و تمارسها داخل الحزب فالقرار بيد الأكبر سنا أو للأقدم بغض النظر عن الفعالية والدور والقدرة على إفادة الحزب فيتم صنع القرار على مستوى فردي.
أما على مستوى التجنيد فقد نجم عن المناخ العام الذي عكسته المؤشرات السابقة داخل الحزب تمثلت في الافتقار إلى تجديد النخب الداخلية وهيمنته الحرس القديم حيث أن رؤساء تلك الأحزاب تجاوزت أعمارهم الستين أو السبعين، والتراخي في إعداد قادة جدد ما هو إلا صورة واضحة وجلية في عدم جذب فئة الشباب لهذه الأحزاب عدا عن مشاكل الشللية والشخصانية والعائلية، مما أسفر عن الانضمام إليها والتراجع عن عضويتها.
إن الشيخوخة السياسية داخل الحزب الواحد أدت إلى انشقاقات وصراع بين الأجيال فقد اعترض جيل الشباب على أداء تلك الأحزاب و إدارتها مما أدى إلى التمرد وخروج قطاعات من قياداتها الشابة منها.
أما على مستوى انجذاب الشباب لهذه الأحزاب، فقد افتقرت الأحزاب للقاعدة الجماهيرية أو الوجود الحقيقي في الشارع لعدم قدرتها على فرز قيادات حزبية نشيطة تشكل قناة اتصال جديدة بين فكر الحزب أو برنامجه وبين آمال وطموحات الشباب، واقتصر حضور قيادات هذه الأحزاب على اللقاءات الصحفية والتصريحات المكررة على شاشات التلفاز دون المحاولة إلى الذهاب إلى الشارع لتكتسب الشرعية والدعم الاجتماعي.
وسوف يبقى سؤال... كيف يمكن زيادة انتماء المواطنين للأحزاب؟ وحتى فترة قريبة يحرم الحزبيون وأقرباءهم من الوظيفة، وأن تجار الكثير من الأردنيين متعلقة بالتضييق على الحزبيين ماثلة في الأذهان حتى اصبحوا ينفرون منها خوفا من الملاحقة الأمنية. إن التدخلات تفسد الممارسات الديمقراطية.
إن اصلاح النظام الحزبي برمته يبدأ من ضرورة بيئة حزبية صحية من خلال تشريعات تضع الأحزاب في موقعها الطبعي شريكا أساسيا في السلطة وتيسير وصولها إلى وسائل الإعلام لعرض برامجها. وأن يتاح التعبير السياسي الهادئ في الجامعات حيث تجذب العديد الأكبر من الشباب الذي يتوق إلى التغيير الحقيقي، ولن يكون هذا دون ضوابط بل بمساعدة مدرسين العلوم السياسية و مادة التربية الوطنية المؤثرين في عقول الطلاب حيث يفهم الطالب ما يريد أن يفرغ طاقته في التعبير عن آراءه داخل بيئة سياسية سليمة بعيدة عن التطرف بكل أشكاله. بدل أن تظل الأحزاب عاجزة عن تقديم بديل سيستقطب الشباب التي تبحث عمن يقودها إلى التعبير الإيجابي.
إن الانضمام إلى الأحزاب يحض برعاية ملكية ويأتي ذلك وسط حديث ملكي حول انضمام الشباب للاحزاب، فشدد جلالة الملك عبد الله الثاني على أن " الأبواب مفتوحة أمام الشباب لقيادة مسيرة التحديث لكن عليهم ألا ينجزوا خلف الشعارات الشعبوية بل أن ينخرطوا في البرامج الواقعية والقابلة للتطبيق فالجيل الجديد يعرف ما يريد". لكن هم الشباب الأكبر يبقى البحث عن فرصة عمل بعيدا عن تعقيدات الأطر الحزبية وبعيدا عن الشعارات الرسمية لتمكين الشباب.
وعلى الصعيد الأجتماعي تعرف الثقافة السياسية من معتقدات ومواقف الناس الذين يؤثرون على سلوكهم في السياسة أما التنشئة السياسية الاجتماعية فهي تبدأ في مرحلة الطفولة. وهناك العديد من العوامل الاجتماعية التي تلعب أدوارا مختلفة في عملية التنشئة الاجتماعية هذه، هي العائلة والاصدقاء والدين والإعلام والحكومة. ويكمن الفرق بينهما هو أن يصبح الفرد جزءا من الثقافة السياسية من خلال اكتساب مختلف المعتقدات والمواقف والممارسات، وهي أن تسمح التنشئة الاجتماعية للفرد أن يكون جزءا من الثقافة السياسية.
وأحيانا يكون للتنشئة الاجتماعية وكلاء قبل الأسرة والحكومة والدين والأقارب والأصدقاء الذين من شأنهم أن يؤثروا على مواقف الفرد السياسية التي تشكل الثقافة السياسية و العلاقة هنا تبادلية حيث تؤثر التنشئة الاجتماعية على الثقافة السياسية كما تؤثر الثقافة السياسية على التنشئة الاجتماعية السياسية.
إن الثقافة السياسية في المجتمع الأردني تأتي على استحياء فالأجيال السابقة لم تكن مسيسة -إذا صح التعبير- وبالتالي فإن نظرة أولياء الأمور للأحزاب هي (وجع راس) أولا و (تحكيش بالسياسة) ثانيا خوفا على الأبناء من تضييق الخناق عليهم من الحكومة أو أن لا يجد فرص عمل له ولأبنائه من بعده.