منذ ليلتين باكيتين وأنا في حضن اللاوعي.. كان مجرد صوته في أي فيديو جديد يشعرني بالدفء وأنه ما زال على قيد الحياة بكامل عصبيته وعنفوانه وأناقته في الاحتجاج..!
منذ ليلتين باكينين.. لم أخرج.. ولم أقعد.. ولم أقف.. ولم أنم.. ولم أصحُ.. ولم أكن إلّا شبحًا على شكل رجل أو بقاياه..! فالتاريخ الذي جمعني بـ "ليث شبيلات" ليس تاريخًا عابرًا.. بل إن الرجل الذي مات قبل قليل كان حاضرًا بقوّة في أغلب مفاصل حياتي منذ التقينا في سجن سواقة عام 1996 ..!
لازمته فترة ليست بالقصيرة وكنت من المترددين على مكتبه الهندسي وبيتيه في مرج الحمام وضاحية الروضة.. لكنني لم أكن منخرطًا في مشروعه وخطابه حتى النهاية؛ رغم أن الكثيرين "حسبني عليه" في تلك الفترة وكانت رعشة الفخر تنتابني لذلك .
ومنذ الربيع العربي لم نلتقِ إلّا مرة واحدة في "عزومة" في بيت أحد الأصدقاء المشتركين.. ولكن مسجاته عبر الواتس أب كانت تصلني دون انقطاع..!
حين بث فيديو بلوغه الثمانين شعرتُ بأنه يودِّع .. بل يودعنا جميعًا وشعرت بأن الرجل القابض على نقائه ماضٍ إلى ربّه غضبان أسفًا..!
يمتلك ليث شبيلات كاريزما قلّة من القيادات تمتلكها.. يشدّك حين يحكي وحين يصمت.. يبهرك حين يغضب وحين يضحك.. لا يتوانى عن قول رأيه بكل شيء بكلّ جرأة ولا يتوانى عن الاعتذار حين يعرف أنه يجب أن يعتذر..!
عاش منفردًا وحوله جموع كثيرة.. كان مختلفًا في الرأي والقيادة والزعامة.. وكان مرهَقا ومُرهِقًا لمن حوله.. ومع ذلك كان "من حوله" يستمتعون معه ..!
لله درّ الأيام كيف تمضي.. ولله الأردن بعد "أبو فرحان" الذي حزم أمتعته ولكنه غادر دونها.. وبالتأكيد أن مئات الأشخاص مثلي ارتبطوا به حينًا من الدهر ولكنهم لم يستطيعوا أن يحملوا خطابه العالي إلى النهاية.. قال لي يومًا: قبل النضال يجب أن يكون لديك تمكين اقتصادي كي تناضل وأنت لا تخاف من شيء..!
لعلني ذات يوم قريب أكتب عن كلّ ما كان بيننا فهو جزء مهم وكبير من تاريخي الذي أدفع ثمنه للآن وكلّي فخر بما فعلت.
رحم الله "ليث شبيلات" المجاهد العنيد والسيف الفريد و الرأي الذي إن قاله لا يحيد.