مهمة الليل الأزلية هي أن يجمع ضعف البشر ويداوي جراحهم. بعد يوم مضن من النهار يعلن الليل الصمت وتسرح آيات الفكر بعيداً وقد يرسل القلب زفرة تعب عالية وكأنها شكوى مقدمة إلى الدهر.
يقال بأن الصمت هو لغة الغرباء لكنه يغلف الليل بهدوء ساحر فلا يبقى إلا الأنفاس التي سلمت واستسلمت لحقائق وأحداث الكون. بالليل تقرر الروح أن لا تعاند الحياة وتحترف الصمت وترحل للبعيد نحو عالم الحرية إلى حيث فيض الوحي السماوي.
هل تعلمون متى يتألق الصمت! يكون ذلك حين تختنق الكلمات العفوية وحين يكف البشر عن الاستماع لبعضهم باهتمام أو عندما يتم تفسير الكلمات كما يريد البعض لا كما تحتمل!
قد تنتزع نظرة بقايا الأمنيات القابعة في أعماق الروح فيجول بالذهن الكثير في دقائق معدودة. ما بين الخيبة والغضب والإحساس بالخذلان يبقى الصمت أرقى أنواع عزة النفس وهو أبلغ من كل لغات الكون.
لا تعلقوا الكثير على الكلمات ولا تحاولوا تفسير ما تشعرون به ابداً فلا شيء يستحق العناء. أعوام تمضي ولغات عديدة يتقنها البشر يتكلمون يجادلون يتسلقون عتبات الغيب دون أدنى إدراك للقادم من الأحداث.
أما الصامت منهم فيجول في خاطره أن يهمس للكون أهديك كل شيء إلا عزة نفسي.
يتساءل في زفرة عميقة ما هي الحياة! وماذا يريد منها البشر! تساؤلات تطرح إلا أن الإجابة قد تبقى عالقة في الفضاء لسنوات عديدة.
يتغير البشر بسبب الضربات الموجعة فيصبحون أقل كلاماً وأكثر حذراً وقد يصبحون أكثر تعقلاً وحكمة بالتعامل مع الحياة. المواقف تمنح البشر القدرة على رؤية الأمور على حقيقتها بعيداً عن مقياس التوقعات المراوغ فما تزال الحقيقة الصادقة البسيطة مقنعة ومرضية وتفوق في جمالها أي شيء وكل شيء.
أحب شعرا لمحمود درويش يقول فيه «بعينين واسعتين حلمت وقد أكون خسرت حلما جميلا لكن ما خسرت السبيلا» في الحياة لا تنسى أن تعزف لنفسك سمفونية التفاؤل وأن تردد أغنيات الفرح التي حفظتها عن ظهر قلب لتمحي ركام وشقاوة الأيام ولتقنع نفسك قبل غيرك بأنك سعيد وراض بكل ما قسم الله لك.
عند كل شروق تتعالى معاني الحياة وتنهض أرواحنا وتتجدد وكأنها في سعي دؤوب لإنشاء عالم جديد. بمجرد أن تحرك الروح جناحها نرفع الجباه تحت تاج معنوي يُصر على البقاء والمضي قدماً والقلب يقول: اليوم هو الأجمل من كل ما سبق.