لا يمكن لأيّ منّا الحديث بشأن الموازنة، وتفاصيلها، فالأمر يحتاج لمحللين اقتصاديين يملكون مهارات اقتصادية واعلامية عميقة تمكّنهم من قراءة ما لا نراه، ومعرفة ما لا نعرفه، ولكن يمكن التقاط الايجابيات والسلبيات من خلال مؤشرات عامة ندرك من خلالها بعضا من تفاصيل الموازنة العامة للدولة للعام الحالي 2023.
أمس الأول، ألقى وزير المالية الدكتور محمد العسعس خطاب مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2023 خلال الجلسة التي عقدها مجلس النواب، برئاسة رئيس المجلس أحمد الصفدي وحضور رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة وهيئة الوزارة، بتفاصيل دقيقة ومعلومات شاملة، واضعا الحقائق الاقتصادية أمام مجلس النواب الذي أحال بدوره الموازنة للجنته المالية بعد الإستماع لها، وبطبيعة الحال استمعنا جميعا لهذه التفاصيل وجذبتنا تفاصيل جعلتنا نوجّه الأنظار كمواطنين وكإعلام لقادم يحمل ايجابيات لمن يبحث عن رؤية النصف الممتلئ من الكأس.
العسعس قال إن موازنة هذا العام تقدر بـ 11.431مليار دينار، موزعة بين الايرادات العامة بواقع 9.569 مليار دينار، منها ايرادات محلية بواقع 8.767 مليار دينار، ومنح خارجية 802 مليون دينار، وتقدر النفقات العامة بـ 9.839 مليار دينار نفقات جارية، و 1.591مليار دينار نفقات رأسمالية، فيما يقدر العجز المالي للموازنة بـ 1.862مليار دينار، أرقام تفرض ذاتها على خطاب مشروع الموازنة، أرقام تتسيّد حدثا وحديثا تغيب فيه الكلمات إلى حدّ كبير، فالحديث عن الموازنة هو حديث أرقام لكل رقم منها تفاصيل مختلفة وعميقة، ليس سهلا قولها أو كتابتها أو تحليلها أو حتى صياغتها في السياق الذي نسمعه نحن في نهاية مطاف الإعداد، وبداية درب الإقرار ومن ثم التطبيق.
بوضوح وبكل شفافية أكدت الحكومة على لسان وزير المالية أن حس المسؤولية يحتّم علينا الابتعاد عن تجميل المشكلات، وأنها تقف بين ضاغطين كبيرين أزمة المواطن المعيشية ومالية الدولة، وبذات الوقت برزت تأكيدات الحكومة على أنه لا بديل عن عملية الإصلاح المالي والاقتصادي والاداري دون تأخير، مع الابتعاد عن القرارات التسكينية كونها تستنزف إمكانياتنا ومواردنا بصورة غير مستدامة، فقد وضعت الحكومة حقائق واضحة حتما لن تزخرف المشهد ولن تغمض عين الواقع عن مشاكل وتحديات اقتصادية، وبذات الوقت خصصت مبالغ لقطاعات هامة وحيوية وفي دعمها دعم للاقتصاد الوطني بصورة عامة كقطاع السياحة الذي خصصت لدعمه (71) مليون دينار، ودعم الصناعات حيث خصصت (40) مليونا لصندوق دعم الصناعات، كما تضمنت رفع مخصصات التعليم والصحة والمعونة والسلع الغذائية.
مشروع للموازنة، لم يخف العيوب والتحديات، إنما تحدث عنها بكل وضوح وشفافية، بعيدا عن استخدام مفردات تؤجّل من أي تحدّ، أو تستخدم كلمات تخدّر من ألم الواقع، في حين أنها تطيل من عُمر التحدّي أو المشكلات، وتؤجّل من الحلول وإن كانت صعبة، فقد كان خطاب مكاشفة ومشاركة بذات الوقت، تعلو به الايجابية كون الحكومة قدّمت الدعم اللازم للقطاعات الهامة والتي من شأنها إحداث حركة اقتصادية هامة.
وفي موضوع الفقر والبطالة، أكدت الحكومة أن معدلاتها لن تنخفض للمستوى المقبول من تلقاء نفسها، ولذلك نهج عمل سيتحقق تدريجيا، وبشراكات عملية ما بين الحكومة والقطاع الخاص والنواب والأطراف ذات العلاقة، بروح من الأمل والطاقة الايجابية، والسعي نحو بناء غد يليق بالأردن، ومساحات الممكن موجودة بشكل كبير، وحتما الأردن قادر والمسيرة مستمرة لتحقيق الأفضل، بهمّة وعزيمة كلّ أردني. الموازنة الآن في مرمى مجلس النواب، وكما أكدت الحكومة فهي تنظر بعين الإحترام والتقدير لرأي مجلس النواب، وستولي توصياته وملاحظاته الاهتمام البالغ، ليصار لتنفيذ ما أمكن منها هذا العام والأعوام القادمة، لتبقى الأعين ترقب توصيات مجلس النواب في الموازنة.