ما عرف الاردنيون قضية تاريخية مشرفة بمثل قضية فلسطين وجوهرها القدس ، وليست قصة اكتشاف رفاة 11 شهيدا أو اكثر في منطقة بيت حنينا شمال القدس الا جزءا من سلسلة مقابر واضرحة شهداء تطرز ارض فلسطين .
معاركنا الاولى هي على ارض فلسطين منذ معركة كفر عصيون في الفترة من 12 الى 14 أيار 1948 ، ومن ثم معارك فلسطين عام 1948 بدءا من 15 أيار الى أوائل شهر آب ، وقدم جيشنا ما لا يقل عن 400 شهيد ، ثم لتستمر قوافل الشهداء من نهاية حرب فلسطين على مدى 19 عاما الى حرب حزيران 1967 وقدمنا خلال الاشتباكات في هذه الفترة على طول الحدود مع الارض المحتلة حوالي 200 شهيد ، ثم لندخل في حرب حزيران 1967 والتي قدمنا خلالها 558 شهيدا .
بمعنى ان ارض فلسطين قد احتصنت اكثر من 1200 شهيد اردني ، وهناك نسبة قليلة من الشهداء نقلوا الى شرق الاردن ، وهناك العديد من الشهداء من اهل فلسطين من الجنود الذين كانوا يخدمون كجنود في جيشنا العربي وقد نقلوا الى مقابر بلداتهم .
ولكن لا تكاد تمر فترة الا ويطالعنا خبر اكتشاف قبر فردي او جماعي لشهداء جيشنا العربي ، وتتم هذه الاكتشافات في معظمها صدفة ،إما اثناء شق طريق أو حراثة ارض او مجرى سيل ماء ، وحتى لفت نظري وسمعي وهز وجداني ما ورد في فيديو عن اكتشاف قبر الشهداء مؤخرا في بيت حنينا ولا داعي لذكره ،
وهنا يأتي التساؤل :
مؤكد ان هناك مفقودون في الحرب ، وهذا امر طبيعي تحتمه المعارك التي قد يختفي اثر انسان او اكثر بالكامل اذا تعرض الانسان أو الموقع لدمار او قصف مباشر ادى الى طمر الموقع كاملا ، او اصابة قذيفة مدفعية او دبابة بشكل مباشر على جندي فيختفي اثره لانه يصبح جزءا من شظايا القذيفة ، ولكن حين تكون هناك الدراسات العلمية وتقصي الحقائق ومتابعتها فنستطيع رسم خارطة عن طريق جمع المعلومات من المقاتلين ومعرفة اماكن تنقلهم وترحالهم .
حدث معي شخصيا اثناء دراستي لاعداد موسوعة الشهداء الخالدين التي صدرت قبل سبع سنوات ان كنت في بلدة فلسطينية هي بيت لقيا ، لان المعلومات بوجود قوات اردنية في محيط المنطقة عام 67،وعلى الطريق صادفنا رجل وقور عمره يتجاوز الثمانين :هو الحاج محمد صيام الذي بادرنا بالقول لقد دفنت شهيد اردني هناك على هذا الجبل بنفسي ، وتحركنا معه على الفور الى الموقع ، وقال هنا " كومة من الحجارة " وقرأنا الفاتحة على روحه ، ولكن نتساءل لولا المصادفة لما كان لنا ادنى معرفة بذلك ،
وهناك جهود من اهلنا في فلسطين بالاهتمام باضرحة الشهداء ولديهم المعلومات العديدة عن اماكن تواجد قبورهم ، في بلدة بيت ايبا قرب نابلس زحف جريح اردني في حرب 67 ودخل الى مسجد وهناك اهتم به اهل البلدة واعطوه ملابس مدنية ، ولكن توفي في داخل المسجد ، وقام احد المواطنين باعداد قبر له وتولى رعايته بنفسه وقبل وفاة هذا الرجل الطيب اوصى ابنه بالعناية بقبر الشهيد الاردني والى الان،
وقد قابلت هذا الشخص عند ضريح الجندي الاردني وهو من بني حسن . وهناك ضابط اردني تقاعد برتبة لواء كان هذا الجندي ضمن قواته اطال الله في عمره . جمعتني مناسبة معه وكنت اتحدث عن مآثر اهل فلسطين بالعناية بشهدائنا وذكرت عن الشهيد في بيت ايبا ، فكانت المصادفة ،قال لي هذا الشهيد من سريتي وكانت جراحه حرجة وكنا تحت القصف ولم نستطع اخلاؤه ولجأ الى مسجد القرية يومها لانه حتما سيجد العناية .
قصص كثيرة تكونت لدي من خلال الزيارات واللقاءات ،
وكان هناك دعم لهذا الجهد اسفر عن اصدار موسوعة الشهداء الخالدين عام 2011 ، وبعد صدور الموسوعة تواصل العديد من ابناء فلسطين معي يذكرون ان هناك موقع في منطقة هنا وغيرها هناك . وادركت ان هذه الموسوعة ربما تغطي حوالي 50% من المعلومات .
والسؤال ، ما نحن فاعلون ؟، وندرك ان كرامة الشهداء لدينا على المستوى الملكي الهاشمي والجيش العربي الاردني كبيرة ومقدرة ، وما نفعله من اجل شهدائنا اداريا وتعليما مميز ،
ولكن هل نترك امر اكتشاف اضرحة الشهداء للصدفة ، او حتى ....
لا نحتاج تسويقا لانفسنا ، بل نحتاج انجازا وعملا وتطبيقا ، وهناك الكثير في جعبتنا