سورة الفاتحة سورة عظيمة بدأ بها القرآن الكريم، واشتملت آياتها على معانٍ عظيمة، وفيما يأتي تفسيرها:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ): افتُتحت سورة الفاتحة بالبسملة، والاسم في اللّغة لفظ يُطلق ليدلّ على ذاتٍ أو شيءٍ ذي معنى، أمّا الله فهو لفظ الجلالة الذي يدلّ على الذّات الإلهيّة، وهذه الجملة "باسم الله" يُفهم منها أنّها ابتدأت بفعل، لكنّه حُذف، ويكون تقديره كأن المسلم يقول: أبدأ قراءة القرآن الكريم متبرّكاً باسم الله، وهذا أسلوب اعتاد عليه النّاس في العبادة، حتّى في الجاهليّة إذ كانوا يفتتحون أعمالهم بذكر آلهتهم، كقولهم "باسم اللّات والعزّى"؛ ليأخذوا منها البركة، كما أنّ الفعل حُذف ليكون الابتداء باسم الله -تعالى- لا يسبقه شيء.
وابتداء السّورة بالبسملة فيه إشارة للمسلم أن يبدأ أي عمل يقوم به صغيراً كان أم كبيراً بالبسملة؛ ليكون عمله مُباركاً فيه. ثمّ إنّ البسلمة تصف الله -تعالى- بأجلّ الصفات، وهي الرّحمن والرّحيم، وهما صفتان مشتقّتان من الرّحمة، ويراد بها في اللّغة: رقّة يرافقها الإحسان، ويُعرّفها جمهور السّلف على أنّها صفة تختصّ بالذّات الإلهيّة، لا يُعرف معناها لكن يُرى أثرها عمليّاً؛ وهو الإحسان، ويكون معنى الرّحمن أنّ رحمته عظمية، ومعنى الرّحيم أنّ رحمته دائمة، وهما من صيغ المبالغة،
ولكن هناك ثمّة فرق بين صفتي الرّحمن والرّحيم، إذ إنّ الرّحمن تدلّ على نعمة الله -تعالى- بالنِّعم الجليلة والعظيمة، والرّحيم تدلّ على نعمة الله -تعالى- بالنِّعم الدّقيقة، فتكون صفة الرّحمن دالّة على إنعام الله على النّاس بالنّعم كلّها على عامّة الخلق، وتشمل المسلمين، والكفّار، والشّجر، والدّواب، أمّا الرّحيم فتدلّ على رحمة الله -تعالى- بالمسلمين فقط، كما أنّ الرّحمن صفة تفرّد بها الله -تعالى-، لا يتّصف بها غيره، في حين أنّ الرّحيم قد يتّصف بعض البشر بها فالإنسان قد يوصف على أنّه رحيم كما يوصف بكونه كريم أو حكيم وغيره.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ): والحَمْد هو: الثّناء والشّكر على جميل، ويكون باللّسان، ولا يكون عن إجبار، وفي هذه الآية دلالة على اقتصار والحمد الثّناء لله -تعالى- بصفات الكمال والتّمجيد، فهو أهل للحمد، ولا يستحقّ الشّكر أحدٌ سواه، ربّ العالمين: أي معبود، وخالق، وسيّد كلّ ما في الكون؛ لأنّ كلمة العالمين جمع عالم، وهي تشمل كلّ المخلوقات والكائنات من الإنس، والجنّ، والملائكة، ثمّ كررّ الله -تعالى- وصف نفسه بالرّحمة، وفسّرنا الصفتان سابقا.
(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ): ويوم الدّين: هو يوم الجزاء وأوّل أيام الآخرة الذي يُثاب فيه المُحسن، ويُعاقَب فيه الُمسيء، والله وحده مالك هذا اليوم ومتفرّد فيه،ويعود السّبب في أنّ الله -تعالى-حصر ملكيته في يوم الدّين مع أنّه مالك الدّنيا والآخرة، وذلك لأنّ يوم الدّين يتجرّد فيه العبد من كلّ ما يملك، ولا مُلك فيه إلّا لربّ العالمين.
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ): تتضمّن الآية الكريمة معنيين عظمين، وهما العبادة والاستعانة، أمّا العبادة فهي: الخضوغ التّام لله -تعالى- مع استشعار عظمته، والاستعانة هي: طلب العون والتّوفيق من الله -تعالى- في كلّ شؤؤن الحياة. فيقرّ المسلم عند قراءته الآية بأنّه يخصّ الله -تعالى- وحده بالعبادة والدّعاء، ولا يتوجه لغيره، ويستعين به حتّى عند أداء العبادات والطّاعات؛ لذا جاء لفظ نستعين بعد لفظ نعبد، ولو تامّلنا لم ذُكر الفعل المضارع نعبد ونستعين بنون الجماعة وليس بالألف، لاتّضح أنّ مراد الله -تعالى- من ذلك أن يستشعر المسلم عند قراءتها أنّه يعبد الله -تعالى- ويستعين به مع جماعة المؤمنين، فيتحقّق الإخلاص في قلبه.
(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ): والهداية هي طلب الرّشد، أمّا الصّراط المستقيم فهو: الطّريق المنبسط الذي لا اعوجاج فيه، والمقصود به طريق الإسلام، ويُقصد من الآية أنّ من أراد السّعادة في الدّنيا سلك طريق الإسلام، ومن ابتعد عنه فلا ينال إلّا الشّقاء.
(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ): وكلمة صراط هنا بَدَلٌ من كلمة الصّراط في الآية السّابقة، فيُقصد من الآية اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم، والذين أنعم الله عليهم وتفضّل عليهم هم الأنبياء والصّدّيقون ومن ذُكرت قصصهم في القرآن الكريم، والاقتداء بهم واتّباع نهجهم واجبٌ؛ لأنّ دين الله -تعالى- واحدٌ، وأمّا الذّين لم يُنعم الله عليهم فهم فئتان: الأولى المغضوب عليهم، وهم الذين وصلهم دين الحقّ ولكنّهم رفضوا التّصديق به، وتمسّكوا بما جاء به أجدادهم من الضّلال، وهم اليهود، وأمّا الضّالون؛ فهم الذين لم يصلهم الحقّ على أتمّ وجه، ولم يتمكّنوا من معرفة الدّين الصّحيح، وهم النّصارى.
التّعريف بسورة الفاتحة
افتتح القرآن الكريم بسورة الفاتحة، وقد ذهب البعض إلى كونها أوّل سورة نزلت على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كاملة، وهي سورة مكيّة على الرّاجح، وعند بعض العلماء مدنيّة، عدد آياتها سبع آيات عند من اعتبر البسملة آية، وتتكوّن السّورة من خمس وعشرين كلمة، ومئة وثلاثة وعشرين حرفاً، ومع أنّ عدد آياتها قليل، إلّا أنّها من السّور الجامعة، فهي تجمع كل مقاصد الدّين الإسلامي، ففيها التّوحيد، والعبادة، والدّعاء، والجزاء والوعيد، ولعظمة هذه السّورة جُعلت ركناً أساسيّاً ولا تصحّ الصّلاة بدونها، ويسنّ للمسلم قراءتها في سائر الأوقات.
فضل سورة الفاتحة
إنّ لسورة الفاتحة ميّزات وفضائل كثيرة منها:
وصفها الله -تعالى- بالسّبع المثاني، ووصفها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّها أمّ القرآن.