أعود اليوم في إطلالة خميسية بعد نزهة مرضية جعلتني أكثر ثقة بأن الصحة فعلاً تاج على رؤوس الأصحاء، ومن هذا الباب علينا أن نستذكر نعم الله على أن سخرّ لنا أجهزة فائقة الكفاءة يصنعها علماء وخبراء مهرّة يوظفون التكنولوجيا الحديثة لخدمة البشرية، وفي المقابل السيئ، أوجد خبراء تكنولوجيا الإتصالات وعمالقة شركات التطبيقات العالمية تطبيقات الأصل فيها أن تكون عوناً للإنسان لا نقمة عليه، وهذا ما يحدث عندنا من سوء استخدام الفضاء الإلكتروني، حيث يعمد البعض الى استخدام النطاقات ليجعل من أصابعه مقذوفات خطرة، وتشويه لأخلاق ?مة كانت تسود الأمم قبل أن تغرق في وحل الحضارات.
'الجرائم الإلكترونية» باتت معروفة عند الجميع على أنها الضابط الوحيد والمرجع الأكيد لتقييد الانفلات المزعج، وأحيانا التشويه ضد الآخرين واستخدام التكنولوجيا لأغراض مريضة ونفث الأحقاد والشتم والردح والتهديد وأكبر من هذا الإبتزاز، ولو عدنا الى إحصائية مديرية الأمن العام التي نشرها الناطق الإعلامي بناء على معطيات إدارة الجرائم الإلكترونية لوجدنا أن هناك ممن تم ضبط أفعالهم ينطبق عليهم وصف مجرم محتمل، لأن أفعالهم وأقوالهم المثبتة عبر الصفحات لا تحتمل التكذيب، فهم قيدوا أنفسهم بأنفسهم، ولا يمكن لعاقل أن يتخيل أن ه?اك بشرا ليس لهم عمل سوى متابعة مواقع التواصل الاجتماعي وتوسيخ صفحاتهم بإيذاء الغافلين والجمهور، دون أن يرف لهم جفن.
الإحصائيات التي نشرها العقيد عامر السرطاوي تدعو فعلاً الى دق ناقوس الخطر، فقد أوضح البيان أن عام 2022 قد سجل 16027 قضية جرمية إلكترونية، كما أفاد البيان أن قضايا الجرائم الإلكترونية تزايدت خلال الأعوام السّبعة الأخيرة بنحو ستة أضعاف، بعدما كانت في العام 2015 بحدود 2305 قضايا، فهل يعقل أن هناك 1285 قضية ابتزاز إلكتروني في العام الماضي، وعندما نقول ابتزاز فهذا يعني أنه سطو فضائي ضد ضحايا محتملين، وبغض النظر عن الحيثيات فلا يُعقل أن إنساناً سوياً يعمد الى ما يقوم به الكثير من المستخدمين الجناة والذين لا يتم ض?طهم أو لا يُشتكى عليهم، وهذا عيب واضح في إجراءات الاستخدام الخاطئ.
غير ذلك يؤشر لنا بيان الأمن العام أن هناك 3769 قضية ذم وقدح وتحقير عبر مواقع وصفحات وتطبيقات الكترونية، و 3466 قضية تهديد عبر الإنترنت، و 2115 قضية اختراق إلكتروني، إضافة الى 1000 قضية سرقة بيانات إلكترونية، وهذه جريمة مكتملة تماماً كاللص المضبوط بالجرم المشهود في أحد المنازل.
الأدهى من ذلك أن الفضاء الإلكتروني حسب الأمن العام قد سهّل وقوع عدد من القضايا التي تمسّ السّلم المجتمعي مثل قضايا الإساءة للأطفال التي بلغت نحو 133 قضية، وغيرها من القضايا كبث خطاب الكراهية وإثارة النعرات، والتي بلغت نحو 113 قضية إذ تم الإعلان عن القبض على مرتكبيها من مثيري النعرات في المجتمع، والتطور الجديد هي الأساليب الجرمية الحديثة كأساليب الشعوذة الرقمية والاستغلال الجنسي عبر مواقع التواصل، وسرقة المحافظ الالكترونية، لافتة إلى تزايد قضايا الاحتيال الإلكتروني التي بلغت في العام 2022م (2118) قضية، بعدم? كانت في العام 2008 بحدود الألف ونصف قضية، ناهيك عن الجرائم التي لم يتقدم أصحابها للقضاء.
حتى هنا نصل الى المعضلة الأهم في هذه القضايا وهي العجز القانوني لإنصاف الضحايا، فلا يعقل أن القانون يعاقب منتهكي حرمات الناس ومثيري النعرات ويمارسون شتى المحرمات ضد أناس أبرياء أو بناءً على خلافات شخصية تنتهك خصوصية العائلات أو الأفراد، ثم تخرج تلك الفئة بفترات متعددة وقصيرة الأمد، وهذا ما يستوجب تغليظ العقوبة لإعادة الحق المادي والمعنوي للضحايا من خلال تعديل قانون الجرائم الإلكترونية، التي خربت بيوت عامرة حتى وصل الأمر حالات الطلاق، والقتل بسبب غباء أو خبث البعض ممن يثيرون النعرات.
وبالمناسبة هناك قضية لا تزال مشكلة الثأر فيها عالقة منذ سنوات، عقب قتل ثلاثة شباب متواترين بفترات، والسبب أن أحدهم كتب منشورا تافهاً عبر الفيسبوك ينابز بعائلة ضد أخرى فوقعت الواقعة حتى اليوم، ولم يستطع أحد حتى اليوم إنهاء الخلاف وعاث الخراب في بيوتهم مشردين، فبأي دين تؤمنون؟َ!.