استمرار الاحتجاجات الإسرائيلية مساء كل سبت، للأسبوع الخامس على التوالي، فرضت على حكومة نتنياهو تعديل مشروعها نحو ما يسمى برنامج 《الإصلاح القضائي》.
دوافع نتنياهو مكشوفة أمام الإسرائيليين، حيث يسعى للتملص من جرائم الرشوة وسوء الائتمان والاستغلال الوظيفي، التي تتم محاكمته على أساسها، عبر تغيير القضاة، والتحكم بتعيينهم من قبل الائتلاف الحاكم، وبذلك يرى الإسرائيليون ان القضاء عبر تنفيذ إجراءات الاصلاح وفق مشروع وزير العدل يريف لفين وهو من اتباع نتنياهو وينفذ ألاعيبه، وفق ذلك، لن يبقى القضاء مستقلاً ومهنياً، بل ستتحكم فيه ليس خيارات الحكومة وحسب، بل سيكون أسير رغبات القيادات الحزبية الذاتية الضيقة، ويتحول إلى قضاء حزبي غير مستقل عن السلطة التنفيذية المتنفذة.
قطاعات الإسرائيليين المختلفة تواصل احتجاجاتها الأسبوعية بفعل ثلاثة عوامل:
أولاً احتجاجاً مباشراً على محاولات تغيير القضاء والسيطرة عليه والتحكم بقراراته، فيرى الإسرائيليون انكشاف هذا العامل، وأن دوافعه شخصية ذاتية من قبل نتنياهو وغيره من الحلفاء والوزراء المتورطين مثله بقضايا فساد، وخاصة رئيس حزب شاس آريه درعي.
ثانياً دوافع المعارضة اليمينية: يائير لبيد، بيني غانتس، وليبرمان، بهدف إسقاط الحكومة والتعجيل بانتخابات جديدة، تُعيد فرز نتائج صناديق الاقتراع تحول دون عودة نتنياهو لرئاسة الحكومة، فالثلاثة يعارضون نتنياهو شخصياً، وتقديراتهم أن العودة إلى خيار الانتخابات، ستعطي نتائج أفضل مما أعطت نتائج الدورة الأخيرة لانتخابات الكنيست.
المعطيات تدل ان قوى المعارضة اليمينية مضطرة لان تعتمد على طرفين ليسا من معسكرها وهما الأحزاب العربية الفلسطينية الممثلة بالقائمتين: القائمة المشتركة والقائمة الموحدة، لعلهما تستفيدان من تجربتي الوحدة والانقسام، فالشرذمة بينهما أدت إلى نجاح اليمين المتطرف على حسابهم، وكذلك على طرفي المعادلة الوسطية (اليسارية) حزبي العمل وميرتس، لعلهما يدركان أهمية التفاهم بينهما.
ثالثاً أما السبب الثالث في استمرار الاحتجاجات، فهو الأهم بسبب أن افرازات الانتخابات للكنيست 25 يوم الأول من تشرين الثاني عام 2022، أعطت النفوذ والقوة لطرفين: أولهما للأحزاب الدينية المتشددة: 1- الصهيونية الدينية، 2- يهود التوراة، 3- شاس، وهم يعملون على فرض القيم الدينية التوراتية على المجتمع الإسرائيلي ذات الاغلبية غير المتدينة، وثانيهما للأحزاب السياسية اليمينية الفاقعة في تطرفها ليس فقط ضد الفلسطينيين بل ضد الطرف الآخر حتى ولو كان يهوديا، والتحالف بين الأحزاب الدينية مع الأحزاب اليمينية، ولّد حالة القلق لدى قطاعات واسعة من الإسرائيليين على خلفية هذا التحالف، ومقدماته ما سعت له حكومة نتنياهو الائتلافية بين الطرفين: اليميني المتطرف والديني المتشدد، في تغيير الأنظمة والقوانين السائدة عبر تغيير القضاء، وتشكيلاته والاستيلاء عليه من خلال جعل الحكومة هي التي تُعين القضاة، وليس الجسم القضائي نفسه، مما دفع هذه القطاعات لممارسة احتجاجاتها الأسبوعية.