بتوجيهاتٍ ملكيةٍ ساميةٍ ، حُدِّدَ الخامسَ عشرَ من شُباط من كلّ عامٍ كيومِ وفاءٍ للمتقاعدين العسكريين ، في هذا اليومِ تبتهجُ الأنفسُ وترتاحُ الضمائرُ وتفرحُ الأفئدةُ وتنتظره القلوب وترنو إليهِ أعينُ الشوق ، هناكَ إدراكٌ عميقٌ لأهمية المتقاعدين ، ومدى تأثير امتدادهم في النسيج الوطنيّ ، كبيتٍ للخبرةِ ومخزونٌ للكفاءةِ وبحرٌ للمعرفةِ والدراية ، لهم صولاتٌ وجولاتٌ في معاركِ الأمّة ، تركوا بصَمات لا تُمحى وإنجازاتٍ لا تُنسى .
يعتنق المتقاعدون العسكريون عقيدة وطنية نبيلة ، تُؤمن بأنّ الحرةَ تجوعُ ولا تأكلُ بثدييها ، أصحاب عهدٍ وأمانةٍ وأهلُ وعدٍ وكرامةٍ ، قابضين على جمر الوطنِ في زمنِ الشماتةِ والتشفّي ، في زمنِ الإدمانِ على القَدحِ والردحِ و التطاول ، لم ينقلوا البندقية من كتفٍ إلى كتف ، بايعوا على السمع والطاعة ، في العُسر واليُسر ، ولم ينازعوا الأمرَ أهله ، " فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا" ، ليس بينهم أبا رغال.
هم رفاق السلاح ، وزملاء الدرب ، وأصدقاء الرحلة ، تقاسموا غبار الصحراء ، وهدير الدبابات ، ودويّ المدافع ، وأزيز الرصاص ، وعمليات الإنزال الجوي ، ومناورات الهجوم والدفاع والقتال الليليّ ، لم يغمض لهم جفن ، ولم تنم لهم عينٌ ، سامروا القمر واهتدوا بالنجوم ، افترشوا الأرض والتحفوا السماء ، امتهنوا معرفة تضاريس الأرضِ أدويةً وروابيَ وجبال ، أقسموا أن يبقى الوطن عزيزاً لا يذرفُ دمعةً و لا ينزف جرحاً .
الوطن شجرةً طيبةً أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء ، غرَسها ملوك بني هاشمَ كابراً عن كابرٍ ، زرعوا تحت ظلالها حقول الأمن وسنابل الإستقرار ، فاشتدّ عوده وقويَ ساعدهُ ، واستحال كسره ، تتحطّم على صخرته أمواج الفتن ، وعواصف القلاقل ، هُزم الأعداءُ على أسواره ، ماتت الأفاعي بسُمِّها ، وتقهقر المتربصون أمام قلاعهِ ، خُلقَ ليبقى ملجأً للملهوفِ نصيراً للمظلوم وملاذً للخائف ومأوىً للجائع وماسحاً لدمعة اليتيم ، حمى الله الوطن وقائده ووليّ عهده الأمين .