كنا نوشك على الإنتهاء من سفرة الغداء عندما بدأت طرقات ناعمة تدق باب بيتنا، لم نكن على موعد مع أحد، فتحنا الباب فإذا الطارق محمد الطفل الصغير الذي جاء قبل أيام من فلسطين في زيارة لجدته جارتنا، أشار محمد إلى قدمه الذي ينز دما نتيجة إصابته من عبث بمقص حاد وحاجته إلى تضميد جرحه بالمطهر الطبي والشاش لعدم توفره عند الجدة، اجلسناه وسارعنا لإسعافاتنا المتواضعة، ناولته حبة بوظه كي اشغله عن النظر للجرح وطلبنا منه الإستلقاء على الكنبه قليلا، لم يتألم كما توقعت إسوة بما أعرفه عن الأطفال في هكذا حالات، بل بادرنا بسؤال وهو يتلمظ بطعم البوظة.. خالتو أنتو ما عندكم زينة رمضان؟! نبهني سؤاله لمشهد حارتنا، فعلا لم أر أحدا علق زينة لرمضان باكرا كما العام الماضي.. بلى ياخالتو عندنا زينة.. فقال :هل تريدون تعليقها؟! وهل يعلق أهلك في فلسطين زينة لرمضان.. نعم ياخالتوا.. نعم.. أضواء حلوة كثير كثير.
حسنا يا حمودة سنعلق الآن زينة، هل تستطيع مساعدتنا وقدمك مصابة؟! ..إفترت شفتاه عن إبتسامة تشبه ليلة صيف وادعة ... سأل ونحن نفك الأسلاك المتشابكة:هل تعطيني منها كي أعلق في بلكونة جدتي أيضا؟! سأعطيك منها... قال فجأة.. تعرفي لما أكبر شو بدي أصير؟!.. بدي أصير نجار.. نجار فكرة جميلة.. رح تعمل اشياء كثيرة، مكتبة وخزائن ومطابخ... لا.. يا خالة المطابخ لا يصنعها النجار... طيب حمودة بتعرف القدس؟! توقعت أن يجبني انها مدينة، عاصمة، في المسجد الأقصى.. قال، بعرفها.. هاي اللي هجموا عليها ..اليهو..د...وظخوا الناس وضربوهم.. بعرفها ياخالتو..
أنهينا تعليق الزينة وطلبنا من حمودة وضع اللمسة الأخيرة، إكبس زر الكهرباء يا الله لنشوف شغلك... كانت فرحته بتلألأ الأضواء وكأنه لامس كف القمر.. سأذهب لأعلق زينة وأعود.. لا تغلقي الباب ... لن أغلقه ياحمودة.. سأنتظرك.. وهل يُغلق الباب دون ملائكة المساء..!!!
* هذه أول مرة أقابل وأتعامل فيها مع طفل قادم من فلسطين،تعودت مشاهدتهم على شاشات الأخبار... لفتتني جراءة طفل "طول الفتر" يدخل بيت لايعرف كل أهله .... واقعية النظر للمستقبل.. لم يفكر كما يفكر أطفالنا الذي نلقنهم بمستقبل طبيب ومهندس..وهكذا يعرفون مدنهم بموعد الهجوم عليها ومقاومته.. عادي.. يطرق باب ويطلب تضميد جرح، فهكذا هم هناك لا يربكهم نزف الدم الجاري منذ عشرات السنين .....