قد ينقلنا القدر إلى ساحات الامنيات التي قد تبدو بعيدة المنال تحت وميض صفيح جمر الاهات التي تختلج النفوس عبر محطات الزمن الذي ترك وراءه تراكمات تعكر جذوة النفس بما تجلت بها حسابات الزمن لتترك ذاكرة اعتلت جدار الصمت ليتكون شعور الالم يفوق تلك المشاعر.
إنّ الفقد وخيبة الأمل من أهّم الدروس التي تُعلّمنا الكثير في هذه الحياة، ومن أصعب الممّرات التي نتجاوزها، والتي ما إن عبرناها إلاّ وقد اكتسبنا أشياء وفقدنا اشياء أخرى لنصبح مختلفين على ما كنّا عليه قبلاً، وكأنّها قفزة صعبة يجب علينا القيّام بها في حياتنا وهذاما يجعل ذكراها تطول في ذاكرتنا وتصْحبُنا لفترة مؤلمة من حياتنا حتى نقرّر أو نعرِف كيف علينا أن نتعامل معها، فتكون إما عنوان لكلّ شيء في كلّ مراحل حياتنا أو ننسحب من أشياء كثيرة في الحياة ونقف في منتصف الطريق.
الخيبة والفقد وجهان لعملة واحدة ولكنّهما مختلفان في طبيعة المشاعر التي تستعمرنا بعد كلٍّ منْهما، وكنقطة اختلاف أخرى بينهما هو أنه في الفقد لا نكون طرفا مباشرا فيه، وأنه أمر لا مفر منه، على عكس خيبة الأمل نكون طرفا مباشرا هذا إن لم نكن سببا فيها، ولنا يد في ذلك، كما أن أثرها يطول في النفس والانفعالات الناتجة عنها مختلفة.
في الفقد يظهِر حُزننا ونبكي حُزننا دموعاً، نصبر ونحتسب ونلتجأ إلى الله تعالي، في الفقد يجتاحنا شعور بالرضى ونتألم في نفس الوقت، في الفقد نتعايش مع حزننا ونؤمن أن الابتلاء حق وأنّه لا عودة لمن رحل عنّا، فلا نملك إلاّ تعهٌّدَنا له بالدّعاء فلا شوق ولا حنين يُرجعهم إلينا، ولا درب يوصلنا إليهم، ولا عابر يٌطمْئِننا عليهم، فقط نتمنّى أن نجتمع بهم عنده سبحانه، في الفقد قبول واستسلام بأن أمر الله كلُّه خير، فالفقد هو الشعور الحقيقي لأصل الحياة، أمر لا بد منه، لأجل هذا فإننا بعد الفقد نسترجع ذواتنا وربما نكون أقوى مما كنّا عليه، وقد يكون نقطة انطلاق لنا للأفضل، في الفقد نسمح للآخرين بمشاركتنا حزننا ولا يهمّنا إنْ رأونا ضعفاء، في الفقد نحزن من داخلنا وظاهرنا فهو طهارة للروح، قد تتوه فيه قليلا ولكنّها سرعان ما ترجع إلى الطريق، فالفقد يقتل فينا أشياء ولكنّه يزرع أمور كثيرة أخرى، ونفهم أن الدّوام والمواصلة ضرورة مهما كان الحال.
في الخيبات نبكي بصمت، نبكي في دواخلنا ونخفي حزننا ولا نسمح للآخرين برؤية انكسارنا، في الخيبات ليس هناك دموع حزن ولكن توجد ندوب وتشوهات خذلان في ذواتنا
"
قد يكون الفقد أشد الإيلام إيلاما ولكنَّ خيبات الأمل أصعب شعور يمكن أن يُعايشه الفرد، موجعة أكثر، تتعدّى أرواحنا إلى الأمد الذي يجعلها تَحِلّ في أبسط تفاصيل حياتنا، تبعث فينا ألماً غريباً وتجتاحنا مشاعر كثيرة مختلطة، فتتركنا هائمون، ولا يعني هنا أنّنا في الخيبات لا نتسلّح بالصبر ولا نتوكّل على الله سبحانه، ونرضى بأقداره وأن كلّ شيء بيَدِه سُبحانه، وأنّه فصل من حياتنا كُتِب علينا أن نَعيشَه، ولكنّها الخيبات تحفِر فينا عميقاً ويَصعُب رَدمَها سريعاً، شعور بالعجز وعدم القدرة على التّقدم، وخلل في السيطرة على مشاعرنا وموجات قلق تعبث في دواخلنا، فنَكْفر بالأمل ونيْأَس ونحزن بعمقٍ شديد، حزن مع غضب وضُعف وإحباط ،مجموعة من المشاعر كفيلة بهدم ذواتنا، نُمارس الهُروب من كلِّ شيٍء لأنّنا لا نملك سوى التّحمل بتبعات الالم أكثر، فلا نحن نصبر كثيرا ولا نحن استسلمنا فنتمنى لو أنّنا بدون مشاعر لثقل ما تحمله أرواحنا ،وللضجيج الذي يطوي في ثناياه أسى كبير، فتنطفئ مصابيحنا ونذبل إلى حين. تلك هي اقدارنا التي قد تحول مسار نهجنا إلى ساحات الإحباط الذي يحتاج إلى مزيد من الصبر بكل تفاصيل العناء....