لا يولد الإنسان من غير هوية تحدد معالم حياته. وهذه الهوية تنمو وتتطور وتتعزز بفعل الحواضن المجتمعية والدينية والوطنية التي تنمو فيها، فتتشكل الهوية التي ننشأ عليها والتي تشكل القاعدة الأساسية لحياتنا ونمط تفكيرنا وتفَّرُّدنا عن غيرنا من الشعوب والأمم.
وهذه الهوية تقوى وتتعزز بالعلم والمعرفة والإنفتاح على كل شعوب الأرض، وتشكل لنا القدرة على التفاعل الإيجابي مع الحضارات الأخرى والشعوب والأمم، وكذلك البناء على أسس القواعد الإنسانية المشتركة والقيم الروحية العليا والمعايير الأخلاقية السامية.
وأخطر ما يهدد العالم اليوم هو استهداف الشعوب والأمم في هويتها الثقافية لأنَّ هذا الإستهداف هو استهداف الشعب ذاته وتاريخه وعراقته وحضارته وتراثه وقيمه وعاداته وتقاليده التي تميّزه عن الآخرين، ولكنها- أي الهوية- تشكل عنوان شغفٍ وشوقٍ للشعوب والأمم الأخرى للتعرف عليها والتعلم والإستفادة منها، فالشعوب والحضارات تتكامل فيما بينها، فلا تتصارع ولا تتصادم.
فرغم إشتراكنا في إنسانية واحدة إلا أن بيئاتنا الجغرافية مختلفة وخبراتنا وتجاربنا مختلفة وتحدياتنا مختلفة مما تولّد عندنا خصوصية المكان والزمان، ولكن ثمارها ليست ملكاً حصرياً، وإنما هذه الثمار قادرة أن تسهم وأن ترفد ثقافات العالم وحضاراته من ثمارها المجبول بإشتباكها وتفاعلها مع واقعها الذي يختلف من مكان لآخر.
فإستهداف الأمم والشعوب في هويتها الثقافية هو استهداف الأمة في ماضيها وحاضرها ومستقبلها. وهذا ما يحصل في مدينة القدس الشريف اليوم، فأخطر ما تتعرض له المدينة المقدسة هو استهداف هويتها الثقافية وهويتها العربية التاريخية والوضع التاريخي والقانوني القائم فيها.
وهذا ما تنبهّ له الأردن بقيادته الهاشمية الحكمية، ويعمل صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم على المحافظة على هوية القدس وإرثها التاريخي الإٍسلامي-المسيحي وعلى عروبتها والوضع التاريخي والقانوني فيها بالوصاية الهاشمية التاريخية والشرعية والدينية، وبثقل الأردن السياسي والديبلوماسي العالمي.
وما هو مطلوب من المقدسيين مسلمين ومسيحيين هو الحفاظ على هذا الإرث التاريخي المجيد وعلى الهوية العربية العريقة، هذه الهوية التي أشار إلى المخاطر التي تتعرض لها سيادة المطران عطاالله حنا في مقاله المنشور على الفيس بوك اليوم الأربعاء التاسع عشر من نيسان للعام الحالي حيث هناك " مؤامرات تستهدف هوية القدس وأبناء القدس بكافة تفاصيل حياتهم بما في ذلك الأعياد والمناسبات الدينية".
فلنحافظ على هويتنا الوطنية العروبية الأصيلة التي تطير بجناحيها الإسلامي والمسيحي، فبغير هذه الهوية لن نقدر أن نطير ونحلّق في سماء المجد والرفعة والتقدم والإزدهار.