في نظرة تحليلية متفحصة ومتمحصة في الموقف والواقع التركي الحالي قد تبدو مؤشرات خطيرة ظاهرياً حول نتايج الجولة الأولى للانتخابات التركية بحسب بعض المحللين ،بحيث توجه أصابع اللوم لسلطان الأمة أوردوغان بأنه وعبر ما يزيد عن عشرين عاماً من سنين حكمه لتركيا لم يتمكن من تغيّيرالنمطية العقلية والفكر التركي الأتاتوركي العلماني "التابع" الذي وُلد مصطنعاً وتجذر غبر عدة أجيال ومنذ قيام الجمهورية على أنقاض السلطنة الإسلامية العثمانية مطلع الألفية المنصرمة وفي التقليدية التي مازال يفكر بها المواطن التركي المعاصر ، فقد تكون أثبتت الانتخابات التركية الحالية ظاهرياً كمؤشر على ما يبدو أن نصف الأتراك على الأقل ممن يقطنون في الأطراف الجيوسياسية للدولة التركية يعيشون حياة تحرر وانفلات منزوعة الشعور الديني والعقدي الإسلامي، وحتى القومي بعيدة عن منظومة الأخلاق التعاليم الاسلامية ممن يؤمنون العلمانية العقيمة ويجنحون الى الإنحراف عن عُرى الإسلام الحنيف، ولا يفهمون شيئا مما بدر حولهم في المحيط عن القضايا الإسلامية الإقليمية والدولية وقضايا أزمات الجوار والأزمات الدولية، واستخدام القوميات العنصرية الأثنية واستثمارها لإثارة الفتن والأزمات على اختلاف أنواعها في بلادهم ولم يتمكنوا من فهم المعادلة الدولية في إدارة وتوجية الأنظمة السياسية في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم العربي والإسلامي بشكل خاص بإحكام السيطرة الفكرية الصهيونية العلمانية عليها، والتي دأبت تعمل ليل نهار على طمس الهوية الفكرية الإسلامية في بلادهم "تركيا "والحرص على العودة بهم الى دائرة حظيرة الفقر والجهل والتخلف والتبعية للأجنبي الماكر المستمر في السيطرة عليها وعلى مواردها وخيراتها وإرادتها.
.
وبنفس الوقت يحب أن لا تنسى أن طريق الدعوة إلى الله طريق صعب جدا ومحفوف بالمخاطر والمصائب والتحديات تتربص وتكيد به حبائل الشيطان، فهذا ما واجهه الرسل والأنبياء من قبل مع أطياف وفسيفساء بني البشر الذين كانت شياطين الإنّس والجنّ بين ظهرانيهم تُوجههم وتَمكر بهم ، ودعوة رسولنا الكريم محمد عليه افضل الصلاة والسلام لبني قومه وعشيرته الأقربين ممن تكلم لغتهم وعاش ظروفهم وعاداتهم وتقاليدهم كما وقف معه وأمن به وأيده قِلّة من بني قومه وعشيرته في بداية دعوته في مكة عبر عقود وباقى منهم الإيذاء المادي والمعنوي فلم ييأس فبذل جلّ جهده وحرصه على غرس مبادئ العقيدة وأركان الدين القويم ، فلم ييأس ولم يكلّ ولم يملّ فانتظر صابراً محتسباً مؤمناً بوعد الله له، وبعد ذلك ما استغرقه في بناء الدولة في المدينة المنورة وما لاقاه من مصاعب وتحديات وفتن ومكر وخبث يهود، وخبث وخيانة من ولاهم من منافقي وخون الأمة ، وكذلك الأنبياء والمرسلين من قبله الذين عملوا بتأييد الله من الملائكة، وما آمن معهم من بني قومهم الا قلّة قليلة ، وكذلك ما سار عليه الصحابة والتابعين ومن بعدهم من طريق النصر والفتح وببركة وأسرار كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بأذن الله.
لكن الرهان في النهاية "للسلطان" على صناعة جيل شباب مؤمن بدينه وقضايا بني قومه وأمته مُدرك وواعٍ على قدر المسؤولية قادر على التغيير الجدري بمرور الوقت ليزيل وينزع جميع رموز سرطان العلمانية التي كانت سبباً رئيسياً في تأخرهم وتخلفهم عن الركب لعقود عديدة، وفي العادة يكون الحكم النهائي على النتائج وعلى خواتيم الأعمال بعد الصبر والمصابرة والمرابطة والعمل بأوامر الله والاجتناب لنواهيه وبواصيا الرسل ومنهجهم وطريقتهم يصل من كرّس حياته لخدمة هذا الدين ولأتباعه اميناً قوياً عادلاً ناصراً المظلومين وقضاياهم في الأرض بعون الله، مؤمناً بتوفيقة وإنجاز وعده للولوج إلى الطريق القويم طريق العدل والحق والخير والمساواة والحياة الفضلى لنيل خير الدارين والظفر بالجنة الغاية الأجلّ والأسمى والارفع... فالأمل يولد من رحم الألم.. والخير يولد من رحم الشر.. وطريق القمم محفوف بالاشواك والحفر والمنزلقات... اللهم انصر من نصر الدين، واجعل الناس تدخل في دين الله أفواجاً يومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله القريب.
وفي الختام ندعو الله عز وجل بأن يعين سلطان الأمة أردوغان على ثقل هذه الأمانة وعلى عِظم هذه المسؤولية الذي اختصه الله عز وجلّ بتوليه امرها في - حين أدار كثير من حكام ورؤساء المسلمين ظهورهم لهذا الدين منصاعين لضغوطات وابتزازات وتهديدات وإملاءات الخارج- وفي الوقت نفسه وجود أكثر من نصف الشعب التركي الذي لا يدرك حجم وخطر وجسامة اللعبة العالمية التي تحاك ضده، وضد مستقبله ومستقبل أجياله القادمة وضد مستقبل الأمة... دمتم بخير.