أتذكر عندما كنت طالبا في الجامعة ، دُعيت و مجموعة من الطلاب عند أحد الزملاء الطلاب ، فلما جُهزت وجبةُ الغداءِ ، سألت مباشرة عن والده لكي يحضر معنا ، وقتها تحدث الطالب أن والده غير متعود الجلوس مع الشباب ، و لا يود أن يحرجهم ، وقتها شعرت بالغضب و أقسمت على حضوره ، فلما سمع صوتي ، جاء يتعذر لي قائلا : "إنتم شباب و يجب أن توخذوا راحتكم"، فقلت له : "فيك البركة ، يا حج ! "، فلما جلس معنا طوال الجلسة و هو ينظر إليَّ بنظرات متتابعة ، و يحدق بي طويلاً و يراقب حديثي ، شعرت وقتها بالإحراج من تصرفاته ، و خشيت أنني السببُ له بالإحراج ، فقد كان على مدار الجلسة يسأل عن اسمي و اسم والدي و عشيرتي ، فلما غادرنا أحببت أن أودعه ، و كان في غرفة أخرى ، أصابني الفضول لسؤاله عن السبب في نظراته لي و استفساره عن اسمي طوال الجلسة ، بينما آخرون من الطلبة كان لا يشاركهم الحديث و السؤال ، فأجاب هامساً في أذني بعد أن أخذني بعيداً عن ولده و الطلبة قائلا بلهجة عامية : " طول عمر ابني بعزم أصحابه على غداء و على حلويات و على جلسات قهوة و لعبة شدة و بتشجيع مني كوني مقتدر و لله الحمد و ما عمر واحد من أصحابه سأل عني أو كلف نفسه يحكي لابني أنه أحضر معهم على سبيل المثال الغداء"، فاستغربت تصرفك من دون الجيل الذي كان يحضر عند ولدي باستمرار و كنت أشاهدهم و هم يدخلون البيت و شعرت أنهم لا يقدرون الكبير و لا صاحب البيت ، لهذا استغربت منك التصرف هذه المرة ، فعرفت أنك لست من الذين يحضرون دائما عند ولدي ، فأحببت أن أعرف أسمك و نسل والدك و عشيرتك الطيب ، وقتها شعرت أن الجيل الحالي لا زال في خير ، كنت اعتقد أن إبني و من يأتي عنده يمثلون هذا الجيل الذي لا يحترم الكبير ، فلما شاهدتك ايقنت أن الدنيا لا تزال بخير " ، فشكرته بحرارة و قبلت رأسه ، فقال و هو يضحك و يبتسم : " و كمان قبلة على الرأس ، لا و هيك كثير لازم تعطي شوية من أخلاقك و تصرفاتك لابني ، خليه يصير يحترم والده....
عن أبي الدرداء قال : سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة ، فإن شئتَ فأضع ذلك البابَ أو احفظه.."