منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كان للحرب بعد آخر.
كشف تقرير نشرته صحيفة "التايمز" (The Times) البريطانية أن الصراع بين المخابرات العسكرية الأوكرانية ونظيرتها الروسية حرب قائمة بذاتها داخل الحرب، علما أنهما تنحدران معا من النبع نفسه الذي تأسس مع بداية الاتحاد السوفياتي السابق عندما كانت أوكرانيا خاضعة لسيطرته.
وأضاف التقرير أن أوكرانيا ورثت فرع المخابرات العسكرية "جي يو آر" (GUR) الذي كان يوجد على أراضيها، في حين استولت روسيا على معظم الأصول المركزية للمخابرات العسكرية السوفياتية "جي آر يو" (GRU).
وذكر أن المخابرات العسكرية الروسية شهدت انتصارات وكذلك كوارث في عهد بوتين، وكان أداؤها سيئا خلال محاولة غزو جورجيا عام 2008. وعيّن الرئيس الروسي على رأسها في 2011 الجنرال إيغور سيرغون، الذي نجح لأنه كان يعلم أن سر الفوز بثقة بوتين يكمن في أن يسمعه ما يريد بالضبط.
فالحرب لم يعد مكانها الجبهة أو ميدان القتال، بل إن الصراع بين جهازي المخابرات في موسكو وكييف محتدم منذ بداية الحرب في فبراير/شباط 2022.
فمن ينتصر في تلك الحرب؟، وهل تساعد الحرب بين أجهزة المخابرات في حسم الحرب بأوكرانيا.
وظهر ضعف المخابرات العسكرية الروسية -بحسب تقرير التايمز- مع غزو أوكرانيا، حيث ثبت أن حساباتها كانت خاطئة مثلما كانت عليه حسابات قادة الجيش الروسي.
وأوضحت الصحيفة أن المخابرات العسكرية الروسية كانت لديها شبكة من العملاء المستعدين لقيادة مبادرات لشل فعالية التسلسل القيادي الأوكراني، لكن لم يكد يحدث شيء من ذلك إما لأنهم لم يكونوا جاهزين لخوض حرب شاملة، وإما لأن الأوكرانيين كانوا أكثر استعدادا للتصرف دون انتظار أوامر من أعلى.
على النقيض من ذلك، يؤكد تقرير التايمز أن المخابرات العسكرية الأوكرانية نجحت في أخذ المبادرة، مشيدة بالدور الكبير الذي اضطلع به قائدها كيريلو بودانوف الضابط السابق في وكالة "سبيتسناز" (Spetsnaz) السوفياتية. وقالت إن نظيره الروسي الأدميرال إيغور كوستيوكوف كان محلل استخبارات بحرية.
والسبيتسناز هي نخبة قوات العمليات الخاصة التابعة للاستخبارات العسكرية السوفياتية، وكانت اليد العسكرية الضاربة للاتحاد السوفياتي.
ورجحت التايمز أن يكون الرئيس الأوكراني زيلينسكي قد منح بودانوف الضوء الأخضر لإثارة "مشاكل" في روسيا، وجعل المواطنين الروس يخشون أن تصل الحرب إلى عقر دارهم.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن بودانوف يشتهر بكونه شخصا نشيطا ولا يرحم، ورجحت أن تكون المخابرات العسكرية الأوكرانية وراء "هجمات تخريبية" حصلت في روسيا مؤخرا.
وتحدثت عن التفجير الذي أخرج قطار الشحن عن مساره في منطقة بريانسك الشهر الجاري، وكذلك الهجوم بالمسيرات على الكرملين والذي رجح التقرير أن يكون قد تم بأيد أوكرانية، أو على الأقل بتوجيه منها لعناصر روسية.
وكشفت أن الروس الموالين لقضية أوكرانيا، أو على الأقل المعادين لسياسات الرئيس بوتين، أثبتوا فائدتهم في مواجهة الخطط الروسية بأشكال متعددة.
وذكرت التايمز أن وكالة المخابرات العسكرية الروسية قامت بدور مفصلي في ضمان فعالية فيلق المتطوعين مع أوكرانيا عبر العالم، لكنها -وهذا هو الأهم- ربطت علاقات وثيقة مع تنظيمات روسية معارضة بينها فيلق المتطوعين الروسي، وفيلق روسيا الحرة.
وتحدثت عن توغل رمزي للفيلق الأول عبر الحدود في منطقة بريانسك في مارس/آذار الماضي، وتنظيمه غارة مشتركة مع "فيلق روسيا الحرة" على منطقة بيلغورود، أسفرت عن مقتل عدد من حرس الحدود ورجال الشرطة.
قلق غربي
وأكد تقرير التايمز أن الطموح المتزايد للاستخبارات العسكرية الأوكرانية أثار قلق بعض الدول الغربية، وتابعت أن تقارير استخباراتية مسربة تحدثت عن كبح وكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إيه" (CIA) جماح بودانوف لتفادي شن هجمات على الداخل الروسي.
كما أشارت تقارير غير مؤكدة إلى أن سلطات مولدوفا طلبت هي الأخرى من الأميركيين تحذير بودانوف من محاولة إثارة الاضطرابات في منطقة ترانسنيستريا، التي توجد فيها قوات "حفظ سلام" روسية تشرف على ترسانة الأسلحة والذخيرة الموروثة عن حقبة الاتحاد السوفياتي.