ها أنت ترى في قعر الصحن لحسة حمص واحدة قد تبقّت..نظرتَ إليها بجوع ..و أولادك حولك يأكلون بِـنَهَم ..لا ينظرون إلى الجوع الآن بقدر ما ينظرون إلى من سيفوز بهذه اللحسة ..يعتبرونها مسابقة ويجب على كل واحد منهم أن يفوز ..وليست الحكاية عندك هي من سيفوز ..بل ما بعد الفوز ..فالفائز واحد و البقيّة سينطّون و يصرخون صراخًا فضائحيًا : أكل لقمتي ..أكل أكثر منّي ..زاح إيدي عنها ..ينعن عرضك ؛ ينعن شرفك ..ينعن ينعن ...و تشابك بالأيدي..وتبادل كفوف ..و تخبيط ..و صحن الألمنيوم يطير إلى الأعلى ليسقط على رأس أحدهم ..ليبدأ بتمثيل دور الضحيّة على آخر ما عنده ؛ يرتمي أرضًا كالمغمى عليه ..مع تشنج مصطنع ..!!
وأنت.. تنظر إليهم و قد قلت مرّتين و ثلاثة: اقعد يا ولد.. أخوك.. أخوك ...! لم يلتفت إليك أحد فقضمتَ خبزتك الناشفة.. وتركتهم.. فتحتَ شبّاك البيت.. تحاول أن تبعد نفسك عن كل هذا الضجيج.. تريد المدى.. ما أوجع حظك..! نسيت أن الشباك يفتح على غسيل الجيران فقط ..رحتَ تتأمله ..جوز جرابات أحدهما فيه أكثر من مُنهل ..بشكل لا إرادي ذهب بصرك إلى جراباتك و إلى مناهلك ..عاودتَ النظر إلى غسيل الجيران ..بيجامة ضخمة و جارك أنحف من ذلك بكثير ..قميص مُشجّر و تحته أشياء تحتيّة ..و أنت ترى الغسيل و تنظر إلى ما يشابهه في بيتك ..!
ها أنت تبتسم.. و تنتبه أن ضجيج أولادك خفت قليلًا.. تذهب إليهم.. تجدهم يلعبون شدّ الحبل.. ولكن ليس بالحبل؛ بل بأحد بناطيلك الذي ليس بحاجة إلى أي شدّ أصلًا؛ فهو تعدّى عمره الافتراضي بسنتين و نصف ..!
تبتسم ثانية.. لا تعاتبهم.. تخرج مسرعًا.. فقد تأخّرتَ عن تصفيقك ونفاقك والشلّة بانتظارك لكي تجددوا الكلام بأن الوضع تمام و لا ينقصكم إلا رضا الله فقط ...!