عندما كان يحتدم النقاش في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وكانت تتشعب الآراء تبعا لميول، وتصورات أعضائها القادمين من مشارب سياسية شتى، وكنا اذا ما استشعرنا الخوف على مفهوم الدولة الدستورية، وقيمها العليا من قبل بعض الآراء المتحفظة نحتكم الى الملك، ونحيل الخلاف الى مضامين الأوراق النقاشية لجلالته، ومفاهيم الحياة العامة التقدمية التي قصدها في اطروحته السياسية، والتي كانت تتهيأ البلاد الى تبلورها في سياق قانوني ودستوري عام كي تتحقق في حياة الأردنيين، وتلامس احلامهم وتطلعاتهم الوطنية.
وكنت المس حينها، وكلما اعدت القراءة في الأوراق النقاشية التوجهات الجلية لجلالته نحو تحديث العملية السياسية، واطلاقها، وتنويع خياراتها، وجعلها اكثر قدرة على الفرز النوعي للنخب، والتمثيل على المعيار الوطني، وكي يكون النائب اقدر على أداء دوره الدستوري المتمثل في الرقابة والتشريع، وبما يمكن من ايجاد قاعدة برلمانية تفضي الى تشكيل الحكومات البرلمانية، وتحويل الأغلبية الى برامجية، وبذلك يتم تجاوز التحديات التي واجهتها المملكة في العقد الأخير على صعيد البنية السياسية، وأداء مؤسسات الدولة.
ولما اعتمد من قبل أعضاء اللجنة مبدأ التدرج في الانتقال بالصوت الانتخابي الى الفرز من خلال القائمة الحزبية العامة، وتمثل ذلك في قانون الانتخاب الجديد، والذي خصص في المرحلة الأولى نسبة 30% من المقاعد للقائمة الحزبية، ثم الانتقال في المرحلة الثانية الى نسبة 50% ووصولا في المرحلة الثالثة الى قائمة حزبية بنسبة 65% عدا عن الكوتات. وبالتالي يتحول مجمل الفرز النيابي الى القائمة الحزبية اصر جلالة الملك كما اعلمني دولة رئيس اللجنة في حينه ان يضمن هذا التدرج بنسبه تلك في نص القانون كي لا تأتي حكومة، وتكتفي بالمرحلة الأولى، وتلغي عملية الانتقال الى القائمة الحزبية العامة في المرحلتين الثانية، والثالثة.
وكان جليا ان الملك بضمانته لمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية يدشن مشروع الاصلاح السياسي، ويشيع الطمأنينة في المجتمع كي تتولد رؤى، وأفكار وتطلعات وروابط حزبية تنتظم الطيف السياسي، وتتداخل في النسيج الاجتماعي، وتعيد صياغته على أسس فكرية برامجية، ولغاية بناء المواطنة التي هي منتج العملية السياسية الاكبر.
وكان الهدف المتوخى هو الدفع الى توليد برامج سياسية واقتصادية واجتماعية تتنافس على أصوات المواطنين في اطار وطني عام، ولغاية تحديث الدولة بكافة مؤسساتها الدستورية المنتخبة، والمعينة، والتي تحمي قيم المواطنة، وسيادة الدستور، وصيانة الحريات العامة، وتحقق الصالح العام.
وبذلك حظيت عملية تحديث المنظومة السياسية برعاية ملكية مطلقة، واخذت زخمها من توجيهاته المباشرة والتي استجابت لها المؤسسات الدستورية، وأصبحت برنامجا وطنيا عاما.
وعلى رجال الدولة اليوم ان يكونوا اكثر انفتاحا على الرأي العام، واشد حرصا على تحقيق رؤية الملك التحديثية، وتوفير المناخات المناسبة لنجاحها، وتعظيم دور الانفتاح السياسي في الوصول الى مرحلة سياسية تكون اكثر انسجاما مع تطلعات الدولة الاردنية.
عليهم ان يستمعوا لكل الآراء، ويعززوا من حالة التوافق الوطني، ويعظموا من شأن الحريات العامة، ودورها في صناعة الوعي، وان يتيحوا للحريات لكي تنضج في اطار ديموقراطي سليم.
وعلى الجميع في الطبقة السياسية ان يسيروا على هدي من هذه الرؤية، وان لا يخالفونها في التطبيق، وان تتفانى سلطات الدولة في سبيل انجاحها، ولكي تصبح واقعا يومياً معاشاً لاردن الغد.