عندما نَصِفُ الإخوة والأخوات بالحقيقيين إنما نعني حقيقةً هؤلاء الذين يتمثّلون بروح الأخوة الصادقة والتي هي أكبر وأشمل من أخوَة الدم. فالأخوّة نعمة إلهية خصّنا بها الله، ولا أجمل ولا أروع من الإخوة والأخوات الذين يَشعرون معنا ويقفون إلى جانبنا ويسندوننا ويرافقوننا في دروب الحياة المختلفة، ولا يبخلون علينا بما يقدرِون عليه في سبيل سعادتنا وراحتنا.
والحقيقة أنَّ أُخوَةً كثيرين ممن تربطهم روابط الدم يفتقدون لهذا المعنى وهذا العمق من الأخوّة الحقيقية. فالمقياس والمعيار ليس رابطة الدم، رغم أهميتها، فليس أجمل من الأخ والأخت، ممن تربينا معاً وكسرنا رغيف الخبر سويةً وغمّسنا في نفس الصحن وإشتركنا في أفراح الحياة وأتراحها، ولكن كم تمزّقت هذه الروابط الجميلة بين أخوَة الدم بسبب الطمع أو الأنانية أو عندما يدخل عنصر المادة أو الميراث، فلم يعد يرى الواحد منّا أخاه أو أخته بل أصبح الفرد مستعداً لأن يبيع الأخوّة مقابل حفنةٍ من المال، ويتخلى عن أجمل قيم الحب والنقاء والصفاء في سبيل تحصيل المال والثروة على حساب الأخوّة.
وإستناداً لعنوان هذه المقالة، ما أردت أن أشير إليه هو نعمة الأخوّة الصادقة والحقيقية إبتداء من أخوّة الدم وإنتهاء بالأخوّة التي تتجاوز روابط الدم والعرق واللغة والدين والجنس. فطوبى لمن يختبرون هذا النوع من الأخوّة، خصوصاً في عالم مترامي الأطراف، وخصوصا وأن الحياةَ أصحبت تحتّم علينا التشتتَ بسبب ظروف العمل أو الدراسة أو مهمات كثيرة وجب القيام بها. هنا نجد السند الحقيقي في الحياة ونجد من يعوّضنا عن غربتنا وعمن يسأل عنا في أحوالنا المختلفة وعمن يقف إلى جانبنا حتى من غير أن نطلب أو أن نسأل، فقلب الأخ الحقيقي هو جهازُ ماسحٍ ضَوئي يقرأ ما في أعماقِ من جمعته بهم أخوّةٍ إنسانيةٍ صادقةٍ، تسمو على روابط الدم كما ذكرنا سابقاً.
فما أجملَ أن يكونَ لنا إخوة وأخوات في كل مكان، نستطيع معاً أن نزرع الفرح، وأن نجعلَ للحياة لوناً جميلاً لا تقدر أن تعبث به صعوباتُ الحياة أو تحدياتُها. فمن لم يختبر هذا النوع من الأخوّة الحقيقية لم يعرف طعم الحياة بعد!